التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ} (14)

{ إنني أَنَا الله لا إله إلا أَنَاْ } مستحق للعبادة والطاعة والخضوع { فاعبدني } عبادة خالصة لوجهى .

{ وَأَقِمِ الصلاة } التى هى من أشرف العبادات ، وأفضل الطاعات { لذكري } أى : وأدم إقامة الصلاة بخشوع وإخلاص ، ليشتد تذكرك لى ، واتصالك بى ، وذلك لأن الصلاة مشتملة على الكثير من الأذكار التى فيها الثناء على ذاتى وصفاتى .

أو المعنى : وأدم الصلاة لذكرى خاصة ، بحيث تكون خالصة لوجهى ، ولا رياء فيها لأحد .

قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : { لذكري } الظاهر أنه متعلق بأقم ، أى : أقم الصلاة لذكرى فيها لاشتمالها على الأذكار . وقيل : المراد أقم الصلاة لذكرى خاصة لا ترائى بها ولا تشوبها بذكر غيرى . . . أو لكى أذكرك بالثناء وأثيبك بها . أو لذكرى إياها فى الكتب السماوية وأمرى بها . أو لأوقات ذكرى وهى مواقيت الصلاة . فاللام وقتية بمعنى عند ؛ مثلها فى قوله - تعالى - { يَقُولُ ياليتني قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } ومن الناس من حمل الذكر على ذكر الصلاة بعد نسيانها . والمراد : أقم الصلاة عند تذكرها .

ففى الحديث الصحيح : " من نام عن صلاة أو نسيها . فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك . . . " .

وخص - سبحانه - الصلاة بالذكر مع أنها داخلة فى العبادة المأمور بها فى قوله { فاعبدني } على سبيل التشريف والتكريم ، إذ الصلاة أكمل وسيلة توصل الإنسان إلى مداومة ذكر الله - تعالى - وخشيته ، لاشتمالها على ألوان متعددة من صور العبادة والطاعة ، إذ فيها قراءة للقرآن الكريم ، وفيها الصلاة على النبى - صلى الله عليه وسلم - وفيها تسبيح الله وتمجيده .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ} (14)

{ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا } هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له .

وقوله : { فَاعْبُدْنِي } أي : وحدّني وَقُم بعبادتي من غير شريك ، { وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي } قيل : معناه : صَلِّ لتذكرني . وقيل : معناه : وأقم الصلاة عند ذكرك لي .

ويشهد لهذا الثاني ما قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا المثنى بن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا رَقَد أحدكم عن الصلاة ، أو غفل عنها ، فليصلها إذا ذكرها ؛ فإن الله تعالى قال : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي }{[19230]} .

وفي الصحيحين عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من نام عن صلاة أو نسيها ، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك " {[19231]} .


[19230]:المسند (3/184).
[19231]:صحيح البخاري برقم (597) وصحيح مسلم برقم (684).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ} (14)

" إنني أناالله " يقول تعالى ذكره : إنني أنا المعبود الذي لا تصلح العبادة إلاّ له ، لا إلَهَ إلاّ أنا فلا تعبد غيري ، فإنه لا معبود تجوز أو تصلح له العبادة سواي فاعْبُدْنِي يقول : فأخلص العبادة لي دون كلّ ما عبد من دونه " وأقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي " .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم : معنى ذلك : أقم الصلاة لي فإنك إذا أقمتها ذكرتني . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي " قال : إذا صلى ذكر ربه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله " وَأقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي " قال : إذا ذكر عَبَد ربه .

قال آخرون : بل معنى ذلك : وأقم الصلاة حين تذكرها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن مُغيرة ، عن إبراهيم في قوله : " وأقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي " قال : يصليها حين يذكرها .

حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : ثني عمي عبد الله بن وهب ، قال : ثني يونس ومالك بن شهاب ، قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلّها إذَا ذَكَرَها ، قال اللّهُ : أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي » . وكان الزهري يقرؤها : أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي بمنزلة فعلى .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من قال : معناه : أقم الصلاة لتذكرني فيها ، لأن ذلك أظهر معنييه ولو كان معناه : حين تذكرها ، لكان التنزيل : أقم الصلاة لذكركها . وفي قوله : لِذِكْرِي دلالة بينة على صحة ما قال مجاهد في تأويل ذلك ولو كانت القراءة التي ذكرناها عن الزهري قراءة مستفيضة في قَراءة الأمصار ، كان صحيحا تأويل من تأوّله بمعنى : أقم الصلاة حين تذكرها ، وذلك أن الزهري وجّه بقراءته أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرَى بالألف لا بالإضافة ، إلى أقم لذكراها ، لأن الهاء والألف حذفتا ، وهما مرادتان في الكلام ليوفق بينها وبين سائر رؤوس الاَيات ، إذ كانت بالألف والفتح . ولو قال قائل في قراءة الزهري هذه التي ذكرنا عنه ، إنما قصد الزهري بفتحها تصييره الإضافة ألفا للتوفيق بينه وبين رؤوس الاَيات قبله وبعده ، لأنه خالف بقراءته ذلك كذلك من قرأه بالإضافة ، وقال : إنما ذلك كقول الشاعر :

أُطَوّفُ ما أُطَوّفُ ثُمّ آوِي *** إلى أُمّا وَيُرْوِينِي النّقِيعُ

وهو يريد : إلى أمي ، وكقول العرب : يا أبا وأما ، وهي تريد : يا أبي وأمي ، كان له بذلك مقال .