التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّهُمۡ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (2)

ثم بين - سبحانه - جانبا من الوسائل التى كانوا يستعملونها لكى يصدقهم من يسمعهم فقال - تعالى - : { اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } .

والأيمان : - بفتح الهمزة - جمع يمين ، والجُنَّة - بضم الجيم - ما يستتر به المقاتل ليتقى ضربات السيوف والرماح والنبال .

أى : أن هؤلاء المنافقين إذا ظهر كذبهم ، أو إذا جوبهوا بما يدل على كفرهم ونفاقهم ، أقسموا ، بالأيمان المغلظة بأنهم ما قالوا أو فعلوا ما يسىء إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - أو إلى المؤمنين . . .

فهم يستترون بالحلف الكاذب ، حتى لا يصيبهم أذى من المؤمنين ، كما يستتر المقاتل بترسه من الضربات .

وقد حكى القرآن كثيرا من أيمانهم الكاذبة ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَيَحْلِفُونَ بالله إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ ولكنهم قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } وقوله - سبحانه - : { يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الكفر وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ . . } وقوله - عز وجل - : { يَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } قال الآلوسى : قال قتادة : كلما ظهر شىء منهم يوجب مؤاخذتهم ، حلفوا كاذبين ، عصمة لأموالهم ودمائهم .

والفاء فى قوله - تعالى - : { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله . . } للتفريع على ما تقدم .

أى : اتخذوا أيمانهم الفاجرة ذريعة أمام المؤمنين لكى يصدقوهم ، فتمكنوا عن طريق هذه الأيمان الكاذبة ، من صد بعض الناس عن الصراط المستقيم ، ومن تشكيكهم فى صحة ما جاء به النبى - صلى الله عليه وسلم - .

فهم قد جمعوا بين رذيلتين كبيرتين : إحداهما : تَعمُّد الأيمان الكاذبة ، والثانية : إعراضهم عن الحق ، ومحاولتهم صرف غيرهم عنه .

وقوله - سبحانه - : { إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } تذييل قصد به بيان قبح أحوالهم ، وسوء عاقبتهم .

و " ساء " : فعل ماض بمعنى بئس فى إفادة الذم ، و " ما " موصولة والعائد محذوف .

أى : إن هؤلاء المنافقين بئس ما كانوا يقولونه من أقوال كاذبة ، وساء ما كانوا يفعلونه من أفعال قبيحة ، سيكونون بسببها يوم القيامة فى الدرك الأسفل من النار

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّهُمۡ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (2)

وقوله : { اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } أي : اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة والحَلْفات الآثمة ، ليصدقوا فيما يقولون ، فاغتر بهم من لا يعرف جلية أمرهم ، فاعتقدوا أنهم مسلمون{[28865]} فربما اقتدى بهم فيما يفعلون وصدقهم فيما يقولون ، وهم من{[28866]} شأنهم أنهم كانوا{[28867]} في الباطن لا يألون الإسلام وأهله خَبَلا فحصل بهذا القدر ضرر كبير{[28868]} على كثير من الناس ولهذا قال تعالى : { فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ولهذا كان الضحاك بن مُزَاحم يقرؤها : " اتَّخَذُوا إيمَانَهُمْ جُنَّةً " أي : تصديقهم الظاهر جُنَّة ، أي : تقية يتقون به القتل . والجمهور يقرؤها : {[28869]} { أيمانهم } جمع يمين .


[28865]:- (3) في أ: "فاعتقدهم مسلمين".
[28866]:- (4) في م: "في".
[28867]:- (5) في أ: "كانوا يقولون".
[28868]:- (6) في أ: "كثير".
[28869]:- (7) في م، أ: "قرؤوها".