التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (22)

بين - سبحانه - أن كل شىء فى هذه الحياة ، خاضع لقضاء الله - تعالى - وقدره ، وأن على المؤمن الصادق أن يكون شاكرا عند الرخاء ، صابرا عند البلاء . . . فقال - تعالى - : { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ . . . } .

{ مَآ } فى قوله - تعالى - { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ } نافية ، و { مِن } مزيدة لتأكيد هذا النفى وإفادة عمومه . ومفعلو " أصاب " محذوف . وقوله { فِي الأرض } إشارة إلى المصائب التى تقع فيها من فقر وقحط ، وزلازل .

وقوله : { وَلاَ في أَنفُسِكُمْ } للإشارة إلى ما يصيب الإنسان فى ذاته ، كالأمراض ، والهموم .

والاستثناء فى قوله - تعالى - : { إِلاَّ فِي كِتَابٍ } من أعم الأحوال ، والمراد بالكتاب : اللوح المحفوظ ، أو علمه - عز وجل - الشامل لكل شىء .

وقوله : { نَّبْرَأَهَآ } من البرء - بفتح الباء - بمعنى الخلق والإيجاد ، والضمير فيه يعود إلى النفس ، أو إلى الأرض ، أو إلى جميع ما ذكره الله - تعالى - من خلق المصائب فى الأرض والأنفس .

والمعنى : واعلموا - أيها المؤمنون علما يترتب عليه آثاره من العمل الصالح - أنه ما أصابكم أو ما أصاب أحدا مصيبة ، هذه المصيبة كائنة فى الأرض - كالقحط والزلازل - أو فى أنفسكم - كالأسقام والأوجاع - إلا وهذه المصائب مسجلة فى كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها . . . وهذا التسجيل كائن من قبل أن نخلق هذه الأنفس ، وهذه المصائب .

وكرر - سبحانه - حرف النفى فى قوله { وَلاَ في أَنفُسِكُمْ } للإيماء إلى أن المصائب التى تتعلق بذات الإنسان ، يكون أشد تأثرا واهتماما بها ، أكثر من غيرها .

واسم الإشارة فى قوله : { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ } يعود إلى الكتابة فى الكتاب .

أى : إن ذلك الذى أثبتناه فى لوحنا المحفوظ وفى علمنا الشامل لكل شىء . . . قبل أن نخلقكم ، وقل أن نخلق الأرض . . . يسير وسهل علينا ، لأن قدرتنا لا يعجزها شىء ، وعلمنا لا يعزب عنه شىء .

فالآية الكريمة صريحة فى بيان أن ما يقع فى الأرض وفى الأنفس من مصائب - ومن غيرها من مسرات - مكتوب ومسجل عند الله - تعالى - قبل خلق الأرض والأنفس .

وخص - سبحانه - المصائب بالذكر ، لأن الإنسان يضطرب لوقوعها اضطرابا شديدا ، وكثيرا ما يكون إحساسه بها ، وإدراكه لأثرها ، أشد من إحساسه وإدركه للمسرات .

ومن الآيات التى تشبه هذه الآية فى معنها قوله - تعالى - : { قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (22)

16

ثم تجيء اللمسة الرابعة في إيقاع عميق ، عن قدر الله ، الذي لا يكون سواه :

( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها . إن ذلك على الله يسير . لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ، والله لا يحب كل مختال فخور . الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ، ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ) . .

إن هذا الوجود من الدقة والتقدير بحيث لا يقع فيه حادث إلا وهو مقدر من قبل في تصميمه ، محسوب حسابه في كيانه . . لا مكان فيه للمصادفة . ولا شيء فيه جزاف . وقبل خلق الأرض وقبل خلق الأنفس كان في علم الله الكامل الشامل الدقيق كل حدث سيظهر للخلائق في وقته المقدور . . وفي علم الله لا شيء ماض ، ولا شيء حاضر ، ولا شيء قادم . فتلك الفواصل الزمنية إنما هي معالم لنا - نحن أبناء الفناء - نرى بها حدود الأشياء . فنحن لا ندرك الأشياء بغير حدود تميزها . حدود من الزمان وحدود من المكان . نحن لا نملك إدراك المطلق إلا في ومضات تتصل فيها أرواحنا بذلك المطلق ، عن طريق غير الطريق الذي اعتدناه في إدراك الأشياء . فأما الله - سبحانه - فهو الحقيقة المطلقة التي تطلع جملة على هذا الوجود ، بلا حدود ولا قيود . وهذا الكون وما يقع فيه من أحداث وأطوار منذ نشأته إلى نهايته كائن في علم الله جملة لا حدود فيه ولا فواصل من زمان أو مكان . ولكل حادث موضعه في تصميمه الكلي المكشوف لعلم الله . فكل مصيبة - من خير أو شر فاللفظ على إطلاقه اللغوي لا يختص بخير ولا بشر - تقع في الأرض كلها وفي أنفس البشر أو المخاطبين منهم يومها . . هي في ذلك الكتاب الأزلي من قبل ظهور الأرض وظهور الأنفس في صورتها التي ظهرت بها . . ( إن ذلك على الله يسير ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (22)

وقوله تعالى : { ما أصاب من مصيبة } قال ابن زيد وغيره المعنى : ما حدث من حادث خير وشر ، فهذا على معنى لفظ : { أصاب } لا على عرف المصيبة ، فإن عرفها في الشر . وقال ابن عباس ما معناه : أنه أراد عرف المصيبة وخصها بالذكر ، لأنها أهم على البشر ، وهي بعض من الحوادث تدل على أن جميع الحوادث خيرها وشرها كذلك .

وقوله تعالى : { في الأرض } يعني بالقحوط والزلازل وغير ذلك . وقوله : { في أنفسكم } يريد بالموت والأمراض وغير ذلك .

وقوله تعالى : { إلا في كتاب } معناه : إلا والمصيبة في كتاب . و : { نبرأها } معناه : نخلقها ، يقال : برأ الله الخلق : أي خلقهم ، والضمير عائد على المصيبة ، وقيل : على { الأرض } ، وقيل : على الأنفس ، قاله ابن عباس وقتادة وجماعة وذكر المهدوي جواز عود الضمير على جميع ما ذكر ، وهي كلها معان صحاح ، لأن الكتاب السابق أزلي قبل هذه كلها .

وقوله تعالى : { إن ذلك على الله يسير } يريد تحصيل الأشياء كلها في الكتاب .