التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلۡفَجۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الفجر

مقدمة وتمهيد

1- سورة " الفجر " من السور المكية الخالصة ، بل هي من أوائل ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من سور قرآنية ، فهي السورة العاشرة في ترتيب النزول ، وكان نزولها بعد سورة " والليل إذا يغشى " ، وقيل سورة " الضحى " . أما ترتيبها في المصحف فهي السورة التاسعة والثمانون .

وعدد آياتها : ثلاثون آية في المصحف الكوفي ، واثنتان وثلاثون في الحجازي ، وتسع وعشرون في البصري .

ومن أهم مقاصد هذه السورة الكريمة : تذكير المشركين بما حل بالمكذبين من قبلهم ، كقوم عاد وثمود وفرعون ، وبيان أحوال الإنسان في حال غناه وفي حال فقره ، وردعه عن الانقياد لهوى نفسه ، ولفت نظره إلى أهوال يوم القيامة ، وأنه في هذا اليوم لن ينفعه ندمه أو تحسره على ما فات ، وتبشير أصحاب النفوس المؤمنة المطمئنة ، برضا ربها عنها ، وبظفرها بجنة عرضها السموات والأرض .

افتتح - سبحانه - السورة الكريمة بالقسم بخمسة أشياء لها شرفها وعظمها ، ولها فوائدها الدينية والدنيوية . . ولها دلالتها الواضحة على كمال قدرته - تعالى - .

أقسم أولا - بالفجر ، وهو وقت انفجار الظلمة عن النهار من كل يوم ، ووقت بزوغ الضياء وانتشاره على الكون بعد ليل بهيم .

فالمراد بالفجر : الوقت الذى يبدأ فيه النهار فى الظهور ، بعد ظلام الليل ، والتعريف فيه للجنس ، لأن المقصود هذا الوقت من كل يوم .

وقيل المراد بالفجر هنا : صلاة الفجر ، لأنها صلاة مشهودة ، أى : تشهدها الملائكة ، كما أن التعريف فيه للعهد ، فقيل : فجر يوم النحر ، وقيل : فجر يوم الجمعة . .

ويبدو لنا أن الرأى الأول أرجح ، لأن قوله - تعالى - بعد ذلك { وَلَيالٍ عَشْرٍ } يرجح أن المراد به وقت معين . هذا الوقت يوجد مع كل يوم جديد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلۡفَجۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفجر مكية . . وآياتها ثلاثون

هذه السورة في عمومها حلقة من حلقات هذا الجزء في الهتاف بالقلب البشري إلى الإيمان والتقوى واليقظة والتدبر . . ولكنها تتضمن ألوانا شتى من الجولات والإيقاعات والظلال . ألوانا متنوعة تؤلف من تفرقها وتناسقها لحنا واحدا متعدد النغمات موحد الإيقاع !

في بعض مشاهدها جمال هادئ رفيق ندي السمات والإيقاعات ، كهذا المطلع الندي بمشاهده الكونية الرقيقة ، وبظل العبادة والصلاة في ثنايا تلك المشاهد . . " والفجر . وليال عشر . والشفع والوتر . والليل إذا يسر " . . .

وفي بعض مشاهدها شد وقصف . سواء مناظرها أو موسيقاها كهذا المشهد العنيف المخيف : " كلا . إذا دكت الأرض دكا دكا . وجاء ربك والملك صفا صفا . وجيء يومئذ بجهنم . يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى . يقول : يا ليتني قدمت لحياتي . فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد " . .

وفي بعض مشاهدها نداوة ورقة ورضى يفيض وطمأنينة . تتناسق فيها المناظر والأنغام ، كهذا الختام : " يا أيتها النفس المطمئنة ، ارجعي إلى ربك راضية مرضية . فادخلي في عبادي وادخلي جنتي " . .

وفيها إشارات سريعة لمصارع الغابرين المتجبرين ، وإيقاعها بين بين . بين إيقاع القصص الرخي وإيقاع المصرع القوي : " ألم تر كيف فعل ربك بعاد . إرم ذات العماد . التي لم يخلق مثلها في البلاد . وثمود الذين جابوا الصخر بالواد . وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد . فصب عليهم ربك سوط عذاب . إن ربك لبالمرصاد " .

وفيها بيان لتصورات الإنسان غير الإيمانية وقيمه غير الإيمانية . وهي ذات لون خاص في السورة تعبيرا وإيقاعا : " فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول : ربي أكرمن . وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول : ربي أهانن " . . .

ثم الرد على هذه التصورات ببيان حقيقة حالهم التي تنبع منها هذه التصورات . وهي تشمل لونين من ألوان العبارة والتنغيم : " كلا . بل لا تكرمون اليتيم . ولا تحاضون على طعام المسكين . وتأكلون التراث أكلا لما ، وتحبون المال حبا جما " . .

ويلاحظ أن هذا اللون الأخير هو قنطرة بين تقرير حالهم وما ينتظرهم في مآلهم . فقد جاء بعده : " كلا إذا دكت الأرض دكا دكا " . . الخ . . فهو وسط في شدة التنغيم بين التقرير الأول والتهديد الأخير !

ومن هذا الاستعراض السريع تبدو الألوان المتعددة في مشاهد السورة . وإيقاعاتها في تعبيرها وفي تنغيمها . . كما يبدو تعدد نظام الفواصل وتغير حروف القوافي . بحسب تنوع المعاني والمشاهد . فالسورة من هذا الجانب نموذج واف لهذا الأفق من التناسق الجمالي في التعبير القرآني . فوق ما فيها عموما من جمال ملحوظ مأنوس !

فأما أغراض السورة الموضوعية التي يحملها هذا التعبير المتناسق الجميل . فنعرضها فيما يلي بالتفصيل :

" والفجر وليال عشر . والشفع والوتر . والليل إذا يسر . هل في ذلك قسم لذي حجر ؟ " . .

هذا القسم في مطلع السورة يضم هذه المشاهد والخلائق . ذات الأرواح اللطيفة المأنوسة الشفيقة : " والفجر " . . ساعة تنفس الحياة في يسر ، وفرح ، وابتسام ، وإيناس ودود ندي ، والوجود الغافي يستيقظ رويدا رويدا ، وكأن أنفاسه مناجاة ، وكأن تفتحه ابتهال !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلۡفَجۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفجر مكية وآيها ثلاثون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم والفجر أقسم بالصبح أو فلقه كقوله والصبح إذا تنفس أو بصلاته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلۡفَجۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الفجر وهي مكية عند جمهور المفسرين وحكى أبو عمرو الداني في كتابه المؤلف في تنزيل القرآن عن بعض العلماء أنه قال :هي مدنية ، والأول أشهر وأصح .

قال جمهور من المتأولين : { الفجر } هنا المشهور الطالع كل يوم ، قال ابن عباس : { الفجر } النهار كله ، وقال ابن عباس أيضاً وزيد بن أسلم : { الفجر } الذي أقسم الله به ، صلاة الصبح ، وقراءتها هو قرآن الفجر{[11786]} ، وقال مجاهد : إنما أراد فجر يوم النحر ، وقال الضحاك : المراد فجر ذي الحجة ، وقال مقاتل المراد فجر ليلة جمع{[11787]} ، وقال ابن عباس : أيضاً : المراد فجر أول يوم من المحرم ، لأنه فجر السنة ، وقيل المراد فجر العيون من الصخور وغيرها ، وقال عكرمة : المراد فجر يوم الجمعة .


[11786]:في بعض النسخ "وقراءتها هي قرآن الفجر".
[11787]:جمع هي المزدلفة، وسميت بذلك لاجتماع الناس بها، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثقل من جمع بليل)، وجمع علم للمزدلفة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلۡفَجۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

لم يختلف في تسمية هذه السورة { سورة الفجر } بدون الواو في المصاحف والتفاسير وكتب السنة .

وهي مكية باتفاق سوى ما حكى ابن عطية عن أبي عمرو الداني أنه حكى عن بعض العلماء وأنها مدنية .

وقد عدت العاشرة في عداد نزول السور . نزلت بعد سورة الليل وقبل سورة الضحى .

وعدد آيها اثنتان وثلاثون عند أهل العدد بالمدينة ومكة عدوا قوله { ونعمه } منتهى آية ، وقوله { رزقه } منتهى آيه . ولم يعدها غيرهم منتهى آية ، وهي ثلاثون عند أهل العدد بالكوفة والشام وعند أهل البصرة تسع وعشرون .

فأهل الشام عدوا { بجهنم } منتهى آية . وأهل الكوفة عدوا { في عبادي } منتهى آية .

أغراضها حوت من الأغراض ضرب المثل لمشركي أهل مكة في إعراضهم عن قبول رسالة ربهم بمثل عاد وثمود وقوم فرعون .

وإنذارهم بعذاب الآخرة .

وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم مع وعده باضمحلال أعدائه .

وإبطال غرور المشركين من أهل مكة إذ يحسبون أن ما هم فيه من النعيم علامة على أن الله أكرمهم وأن ما فيه المؤمنون من الخصاصة علامة على أن الله أهانهم .

وأنهم أضاعوا شكر الله على النعمة فلم يواسوا ببعضها على الضعفاء وما زادتهم إلا حرصا على التكثر منها .

وأنهم يندمون يوم القيامة على أن لم يقدموا لأنفسهم من الأعمال ما ينتفعون به يوم لا ينفع نفس مالها ولا ينفعها إلا إيمانها وتصديقها بوعد ربها . وذلك ينفع المؤمنين بمصيرهم إلى الجنة .

القَسَم بهذه الأزمان من حيث إن بعضها دلائل بديع صنع الله وسعةِ قدرته فيما أوجد من نظام يُظاهر بعضه بعضاً من ذلك وقتَ الفجر الجامع بين انتهاء ظلمة الليل وابتداء نور النهار ، ووقت الليل الذي تمحضت فيه الظلمة . وهي مع ذلك أوقات لأفعال من البر وعبادةِ الله وحده ، مثل الليالي العشر ، والليالي الشفع ، والليالي الوتر .

والمقصود من هذا القَسَم تحقيق المقسم عليه لأن القسم في الكلام من طرق تأكيد الخبر إذ القسم إشهاد المُقسِم ربه على ما تضمنه كلامه .

وقسم الله تعالى متمحض لقصد التأكيد .

والكلام موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما دل عليه قوله : { ألم تر كيف فعل ربك بعاد } [ الفجر : 6 ] وقوله : { إن ربك لبالمرصاد } [ الفجر : 14 ] .

ولذلك فالقسم تعريض بتحقيق حصول المقسم عليه بالنسبة للمنكرين .

والمقصد من تطويل القسم بأشياء ، التشويقُ إلى المقسم عليه .

و { الفجر } : اسم لوقتتِ ابتداء الضياء في أقصى المشرق من أوائل شعاع الشمس حين يتزحزح الإِظلام عن أول خط يلوح للناظرِ مِنَ الخطوط الفرضية المعروفةِ في تخطيط الكرة الأرضية في الجغرافيا ثم يمتد فيضيء الأفق ثم تظهر الشمس عند الشروق وهو مظهر عظيم من مظاهر القدرة الإلهية وبديع الصنع .

فالفجر ابتداء ظهور النور بعد ما تأخذ ظلمة الليل في الإِنصرام وهو وقت مبارك للناس إذ عنده تنتَهي الحالة الداعية إلى النوم الذي هو شبيه الموت ؛ ويأخذ الناس في ارتجاع شعورهم وإقبالهم على ما يألفونه من أعمالهم النافعة لهم .

فالتعريف في { الفجر } تعريف الجنس وهو الأظهر لمناسبة عطف { والليل إذا يسر } .

ويجوز أن يراد فجر معين : فقيل أريد وقت صلاة الصبح من كل يوم وهو عن قتادة . وقيل : فجر يوم النحر وهو الفجر الذي يكون فيه الحجيج بالمزدلفة وهذا عن ابن عباس وعطاء وعكرمة ، فيكون تعريف { الفجر } تعريف العهد .