التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا} (28)

ثم بين - سبحانه - لونا آخر من ألوان رحمته ورأفته بعباده فقال : { يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً } .

أى : يريد الله بما شرعه لكم من أحكام ، وبما كلفكم به من تكاليف هى فى قدرتكم واستطاعتكم أن يخفف عنكم فى شرائعه وأوامره ونواهيه ، لكى تزدادوا له فى الطاعة والاستجابة والشكر .

{ وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً } أى لا يصبر على مشاق الطاعات ، فكان من رحمة الله - تعالى - به أن خفف عنه فى التكاليف .

وهذا السير والتخفيف فى التكاليف من أبرز مميزات الشريعة الإِسلامية ، وقد بين القرآن الكريم ذلك فى كثير من آياته ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر } وقوله - تعالى - { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ } وقوله - تعالى -

{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزكاة والذين هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل يَأْمُرُهُم بالمعروف وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المنكر وَيُحِلُّ لَهُمُ الطيبات وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبآئث وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ والأغلال التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } ولقد كان من هدى النبى صلى الله عليه وسلم التخفيف والتيسير ، ففى الحديث الشريف : " إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه " .

وكان من وصاياه لمعاذ بن جبل وأبى موسى الأشعرى عندما أرسلهما إلى اليمن " يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا " .

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد بينت لنا الوانا من مظاهر فضل الله على عباده ورحمته بهم ، لكى يزدادوا له شكرا وطاعة وخضوعا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا} (28)

24

واللمسة الأخيرة في التعقيب تتولى بيان رحمة الله بضعف الإنسان ، فيما يشرعه له من منهج وأحكام . والتخفيف عنه ممن يعلم ضعفه ، ومراعاة اليسر فيما يشرع له ، ونفي الحرج والمشقة والضرر والضرار .

( يريد الله أن يخفف عنكم ، وخلق الإنسان ضعيفا ) . .

فأما في هذا المجال الذي تستهدفه الآيات السابقة ، وما فيها من تشريعات وأحكام وتوجيهات ، فإرادة التخفيف واضحة ؛ تتمثل في الاعتراف بدوافع الفطرة ، وتنظيم الاستجابة لها وتصريف طاقتها في المجال الطيب المأمون المثمر ، وفي الجو الطاهر النظيف الرفيع ؛ دون أن يكلف الله عباده عنتا في كبتها حتى المشقة والفتنة ؛ ودون أن يطلقهم كذلك ينحدرون في الاستجابة لها بغير حد ولا قيد .

وأما في المجال العام الذي يمثله المنهج الإلهي لحياة البشر كلها فإرادة التخفيف تبدو كذلك واضحة ؛ بمراعاة فطرة الإنسان ، وطاقته ، وحاجاته الحقيقية ؛ وإطلاق كل طاقاته البانية . ووضع السياج الذي يقيها التبدد وسوء الاستعمال !

وكثيرون يحسبون أن التقيد بمنهج الله - وبخاصة في علاقات الجنسين - شاق مجهد . والانطلاق مع الذين يتبعون الشهوات ميسر مريح ! وهذا وهم كبير . . . فإطلاق الشهوات من كل قيد ؛ وتحري اللذة - واللذة وحدها - في كل تصرف ؛ واقصاء " الواجب " الذي لا مكان له إذا كانت اللذة وحدها هي الحكم الأول والاخير ؛ وقصر الغاية من التقاء الجنسين في عالم الإنسان على ما يطلب من مثل هذا الالتقاء في عالم البهائم ؛ والتجرد في علاقات الجنسين من كل قيد أخلاقي ، ومن كل التزام اجتماعي . . إن هذه كلها تبدو يسرا وراحة وانطلاقا . ولكنها في حقيقتها مشقة وجهد وثقلة . وعقابيلها في حياة المجتمع - بل في حياة كل فرد - عقابيل مؤذية مدمرة ماحقة . .

والنظر إلى الواقع في حياة المجتمعات التي " تحررت ! " من قيود الدين والأخلاق والحياء في هذه العلاقة ، يكفي لإلقاء الرعب في القلوب . لو كانت هنالك قلوب !

لقد كانت فوضى العلاقات الجنسية هي المعول الأول الذي حطم الحضارات القديمة . حطم الحضارة الإغريقية وحطم الحضارة الرومانية وحطم الحضارة الفارسية . وهذه الفوضى ذاتها هي التي اخذت تحطم الحضارة الغربية الراهنة ؛ وقد ظهرت آثار التحطيم شبه كاملة في انهيارات فرنسا التي سبقت في هذه الفوضى ؛ وبدأت هذه الآثار تظهر في أمريكا والسويد وانجلترا ، وغيرها من دول الحضارة الحديثة .

وقد ظهرت آثار هذه الفوضى في فرنسا مبكرة ، مما جعلها تركع على أقدامها في كل حرب خاضتها منذ سنة 1870 إلى اليوم ، وهي في طريقها إلى الانهيار التام ، كما تدل جميع الشواهد . وهذه بعض الأمارات التي أخذت تبدو وأضحة من بعد الحرب العالمية الأولى :

" إن أول ما قد جر على الفرنسيين تمكن الشهوات منهم : اضمحلال قواهم الجسدية ، وتدرجها إلى الضعف يوما فيوما . فإن الهياج الدائم قد أوهن أعصابهم ؛ وتعبد الشهوات يكاد يأتي على قوة صبرهم وجلدهم ؛ وطغيان الأمراض السرية قد أجحف بصحتهم . فمن أوائل القرن العشرين لا يزال حكام الجيش الفرنسي يخفضون من مستوى القوة والصحة البدنية المطلوب في المتطوعة للجند الفرنسي ، على فترة كل بضع سنين . لأن عدد الشبان الوافين بالمستوى السابق من القوة والصحة لا يزال يقل ويندر في الأمة على مسير الأيام . . وهذا مقياس أمين ، يدلنا كدلالة مقياس الحرارة - في الصحة والتدقيق - على كيفية اضمحلال القوى الجسدية في الأمة الفرنسية . ومن أهم عوامل هذا الاضمحلال : الأمراض السرية الفتاكة . يدل على ذلك أن كان عدد الجنود الذين اضطرت الحكومة إلى أن تعفيهم من العمل ، وتبعث بهم إلى المستشفيات ، في السنتين الأوليين من سني الحرب العالمية الأولى ، لكونهم مصابين بمرض الزهري ، خمسة وسبعين الفا . وابتلي بهذا المرض وحده 242 جنديا في آن واحد في ثكنة متوسطة . وتصور - بالله - حال هذه الأمة البائسة في الوقت الذي كانت فيه - بجانب - في المضيق الحرج بين الحياة والموت ، فكانت أحوج ما تكون إلى مجاهدة كل واحد من أبنائها المحاربين لسلامتها وبقائها . وكان كل فرنك من ثروتها مما يضن به ويوفر ؛ وكانت الحال تدعو إلى بذل أكثر ما يمكن من القوة والوقت وسائر الأدوات والوسائل في سبيل الدفاع . وكان - بجانب آخر - أبناؤها الشباب الذين تعطل آلاف منهم عن أعمال الدفاع ، من جراء انغماسهم في اللذات ؛ وما كفى أمتهم ذلك خسرانا ، بل ضيعوا جانبا من ثروة الأمة ووسائلها في علاجهم ، في تلك الأوضاع الحرجة .

" يقول طبيب فرنسي نطاسي يدعى الدكتور ليريه : إنه يموت في فرنسا ثلاثون ألف نسمة بالزهري ، وما يتبعه من الأمراض الكثيرة في كل سنة . وهذا المرض هو أفتك الأمراض بالأمة الفرنسية بعد حمى [ الدق ] . وهذه جريرة مرض واحد من الأمراض السرية التي فيها عدا هذا أمراض كثيرة أخرى " .

والأمة الفرنسية يتناقص تعدادها بشكل خطير : ذلك أن سهولة تلبية الميل الجنسي ، وفوضى العلاقات الجنسية والتخلص من الأجنة والمواليد ، لا تدع مجالا لتكوين الأسرة ، ولا لاستقرارها ولا لاحتمال تبعة الأطفال الذين يولدون من الالتقاء الجنسي العابر . ومن ثم يقل الزواج ، ويقل التناسل ، وتتدحرج فرنسا منحدرة إلى الهاوية .

" سبعة أو ثمانية في الألف هو معدل الرجال والنساء الذين يتزوجون في فرنسا اليوم . ولك أن تقدر من هذا المعدل المنخفض كثرة النفوس التي لا تتزوج من أهاليها . ثم هذا النزر القليل من الذين يعقدون الزواج ، قل فيهم من ينوون به التحصن والتزام المعيشة البرة الصالحة بل هم يقصدون به كل غرض سوى هذا الغرض . حتى إنه كثيرا ما يكون من مقاصد زواجهم أن يحللوا به الولد النغل الذي قد ولدته أمه قبل النكاح ! ويتخذوهولدا شرعيا ! فقد كتب " بول بيورو " : من العادة الجارية في طبقة العاملين في فرنسا أن المرأة منهم تأخذ من خدنها ميثاقا قبل أن يعقد بينهما النكاح ، أن الرجل سيتخذ ولدها الذي ولدته قبل النكاح ولدا شرعيا له . وجاءت امرأة في محكمة الحقوق بمدينة سين فصرحت : إنني كنت قد آذنت بعلي عن النكاح بأني لا أقصد بالزواج إلا استحلال الأولاد الذين ولدتهم نتيجة اتصالي به قبل النكاح . وأما أن أعاشره وأعيش معه كزوجة ، فما كان في نيتي عند ذاك ، ولا هو في نيتي الآن . ولذلك اعتزلت زوجي في أصيل اليوم الذي تم فيه زواجنا ، ولم ألتق به إلى هذا اليوم ، لأني كنت لا أنوي قط أن أعاشره معاشرة زوجية .

" قال عميد كلية شهيرة في باريس لبول بيورد : إن عامة الشباب يريدون بعقد النكاح استخدام بغي في بيتهم أيضا . ذلك أنهم يظلون مدة عشر سنين أو أكثر يهيمون في أودية الفجور أحرارا طلقاء . ثم يأتي عليهم حين من دهرهم يملون تلك الحياة الشريدة المتقلقلة ، فيتزوجون بامرأة بعينها ، حتى يجمعوا بين هدوء البيت وسكينته ، ولذة المخادنة الحرة خارج البيت " .

وهكذا تدهورت فرنسا . وهكذا هزمت في كل حرب خاضتها ، وهكذا تتوارى عن مسرح الحضارة ثم عن مسرح الوجود يوما بعد يوم . حتى تحق سنة الله التي لا تتخلف ؛ وإن بدت بطيئة الدوران في بعض الأحيان ! بالقياس إلى تعجل الإنسان !

أما في الدول التي لا تزال تبدو فتية ، أو لم تظهر فيها آثار الدمار واضحة بعد ، فهذه نماذج مما يجري فيها :

يقول صحفي ممن زاروا السويد حديثا . . بعد أن يتحدث عن " حرية الحب " في السويد ، وعن الرخاء المادي ، والضمانات الاجتماعية في مجتمعها الاشتراكي النموذجي :

" إذا كانت أقصى أحلامنا أن نحقق للشعب هذا المستوى الاقتصادي الممتاز ؛ وأن نزيل الفوارق بين الطبقات بهذا الاتجاه الاشتراكي الناجح ؛ وأن نؤمن المواطن ضد كل ما يستطيع أي عقل أن يتصوره من أنواع العقبات في الحياة . . إذا وصلنا إلى هذا الحلم البهيج الذي نسعى بكل قوانا وإمكانياتنا إلى تحقيقه في مصر . . . فهل نرضى نتائجه الأخرى ؟ هل نقبل الجانب الأسود من هذا المجتمع المثالي ؟ هل نقبل " حرية الحب " وآثارها الخطيرة على كيان الأسرة ؟

" دعونا نتحدث بالأرقام . . "

" مع وجود كل هذه المشجعات على الاستقرار في الحياة ، وتكوين أسرة ، فإن الخط البياني لعدد سكان السويد يميل إلى الانقراض ! . . مع وجود الدولة التي تكفل للفتاة إعانة زواج ؛ ثم تكفل لطفلها الحياة المجانية حتى يتخرج في الجامعة ، فإن الأسرة السويدية في الطريق إلى عدم إنجاب أطفال على الإطلاق !

" يقابل هذا انخفاض مستمر في نسبة المتزوجين . وارتفاع مستمر في نسبة عدد المواليد غير الشرعبين . مع ملاحظة أن عشرين في المائة من البالغين الأولاد والبنات لا يتزوجون أبدًا .

" لقد بدأ عهد التصنيع . وبدأ معه المجتمع الاشتراكي في السويد عام 1870 . كانت نسبة الأمهات - غير المتزوجات - في ذلك العام 7 في المائة ، وارتفعت هذه النسبة في عام 1920 إلى 16 في المائة . والاحصاءات بعد ذلك لم أعثر عليها . ولكنها ولا شك مستمرة في الزيادة .

" وقد أجرت المعاهد العلمية عدة استفسارات عن " الحب الحر " في السويد ، فتبين منها أن الرجل تبدأعلاقاته الجنسية بدون زواج في سن الثامنة عشرة . والفتاة في سن الخامسة عشرة . وأن 95 في المائة من الشبان في سن 21 سنة لهم علاقات جنسية !

" وإذا أردنا تفصيلات تقنع المطالبين بحرية الحب ، فإننا نقول : إن 7 في المائة من هذه العلاقات الجنسية مع خطيبات ، و35 في المائة منها مع حبيبات ! و58 في المائة منها مع صديقات عابرات !

" وإذا سجلنا النسب عن علاقة المرأة الجنسية بالرجل قبل سن العشرين . وجدنا أن 3 في المائة من هذه العلاقات مع أزواج . و 27 في المائة منها مع خطيب ! و 64 في المائة منها مع صديق عابر !

" وتقول الأبحاث العلمية : إن 80 في المائة من نساء السويد مارسن علاقات جنسية كاملة قبل الزواج و20 في المائة بقين بلا زواج !

" وأدت حرية الحب بطبيعة الحال إلى الزواج المتأخر ، وإلى الخطبة الطويلة الأجل . مع زيادة عدد الأطفال غير الشرعيين كما قلت .

" والنتيجة الطبيعية بعد ذلك أن يزيد تفكك الأسرة . . إن أهل السويد يدافعون عن " حرية الحب " بقولهم : إن المجتمع السويدي ينظر نظرة احتقار إلى الخيانة بعد الزواج ، كأي مجتمع متمدن آخر ! وهذا صحيح لا ننكره ! ولكنهم لا يستطيعون الدفاع عن الاتجاه إلى انقراض النسل . ثم الزيادة المروعة في نسبة الطلاق .

" إن نسبة الطلاق في السويد هي أكبر نسبة في العالم . إن طلاقًا واحدًا يحدث بين كل ست أو سبع زيجات ، طبقًا للإحصاءات التي أعدتها وزارة الشؤون الاجتماعية بالسويد . والنسبة بدأت صغيرة ، وهي مستمرة في الزيادة . . في عام 1925 كان يحدث 26 طلاقًا بين كل 100 ألف من السكان - ارتفع هذا الرقم إلى 104 في عام 1952 ، ثم ارتفع إلى 114 في عام 1954 .

" وسبب ذلك أن 30 في المائة من الزيجات تتم اضطرارًا تحت ضغط الظروف ، بعد أن تحمل الفتاة . والزواج بحكم " الضرورة " لا يدوم بطبيعة الحال كالزواج العادي . ويشجع على الطلاق أن القانون السويدي لا يضع أية عقبة أمام الطلاق إذا قرر الزوجان أنهما يريدان الطلاق . فالأمر سهل جدًا ، وإذا طلب أحدهما الطلاق . فإن أي سبب بسيط يقدمه ، يمكن أن يتم به الطلاق !

" وإذا كانت حرية الحب مكفولة في السويد . . فهناك حرية أخرى يتمتع بها غالبية أهل السويد . . إنها حرية عدم الإيمان بالله ! لقد انتشرت في السويد الحركات التحررية من سلطان الكنيسة على الإطلاق . وهذه الظاهرة تسود النرويج والدنمرك أيضًا . المدرسون في المدارس والمعاهد يدافعون عن هذه الحرية ويبثونها في عقول النشء والشباب .

" والجيل الجديد ينحرف . . وهذه ظاهرة جديدة تهدد الجيل الجديد في السويد وباقي دول اسكندنافيا . إن افتقادهم للإيمان يجرفهم إلى الانحراف ، وإلى الإدمان على المخدرات والخمور . وقد قدر عدد أطفال العائلات التي لها أب مدمن بحوالي 175 ألفًا . أي ما يوازي 10 في المائة من مجموع أطفال العائلات كلها . وإقبال المراهقين على إدمان الخمر يتضاعف . . إن من يقبض عليهم البوليس السويدي في حالة سكر شديد من المراهقين بين سن 15 و17 يوازي ثلاثة أمثال عدد المقبوض عليهم بنفس السبب منذ 15 عامًا . وعادة الشرب بين المراهقين والمراهقات تسير من سيء إلى أسوأ . . ويتبع ذلك حقيقة رهيبة .

" إن عشر الذين يصلون إلى سن البلوغ في السويد يتعرضون لاضطرابات عقلية ! ويقول أطباء السويد : إن 50 في المائة من مرضاهم يعانون من اضطرابات عقلية تلازم أمراضهم الجسدية . ولا شك أن التمادي في التمتعبحرية عدم الإيمان سيضاعف هذه الانحرافات النفسية ، ويزيد من دواعي تفكك الأسرة . ويقربهم إلى هوة انقراض النسل . . . "

والحال في أمريكا لا تقل عن هذه الحال . ونذر السوء تتوالى . والأمة الأمريكية في عنفوانها لا تتلفت للنذر . ولكن عوامل التدمير تعمل في كيانها ، على الرغم من هذا الرواء الظاهري ؛ وتعمل بسرعة ، مما يشي بسرعة الدمار الداخلي على الرغم من كل الظواهر الخارجية ! ! !

لقد وجد الذين يبيعون أسرار أمريكا وبريطانيا العسكرية لأعدائهم ، لا لأنهم في حاجة إلى المال . ولكن لأن بهم شذوذًا جنسيًا ، ناشئًا من آثار الفوضى الجنسية السائدة في المجتمع .

وقبل سنوات وضع البوليس الأمريكي يده على عصابة ضخمة ذات فروع في مدن شتى . مؤلفة من المحامين والأطباء - أي من قمة الطبقة المثقفة - مهمتها مساعدة الأزواج والزوجات على الطلاق بإيجاد الزوج أو الزوجة في حالة تلبس بالزنا ، وذلك لأن بعض الولايات لا تزال تشترط هذا الشرط لقبول توقيع الطلاق ! ومن ثم يستطيع الطرف الكاره أن يرفع دعوى على شريكه بعد ضبطه عن طريق هذه العصابة متلبسًا ، وهي التي أوقعته في حبائلها !

كذلك من المعروف أن هناك مكاتب مهمتها البحث عن الزوجات الهاربات والبحث عن الأزواج الهاربين ! وذلك في مجتمع لا يدري فيه الزوج إن كان سيعود فيجد زوجته في الدار أم يجدها قد طارت مع عشيق ! ولا تدري الزوجة إن كان زوجها الذي خرج في الصباح سيعود إليها أم ستخطفه أخرى أجمل منها أو أشد جاذبية ! مجتمع تعيش البيوت فيه في مثل هذا القلق الذي لا يدع عصبًا يستريح ! ! !

وأخيرًا يعلن رئيس الولايات المتحدة أن ستة من كل سبعة من شباب أمريكا لم يعودوا يصلحون للجندية بسبب الانحلال الخلقي الذي يعيشون فيه .

وقد كتبت إحدى المجلات الأمريكية منذ أكثر من ربع قرن تقول :

" عوامل شيطانية ثلاثة يحيط ثالوثها بدنيانا اليوم . وهي جميعها في تسعير سعير لأهل الأرض ، أولها : الأدب الفاحش الخليع الذي لا يفتأ يزداد في وقاحة ورواجه بعد الحرب العالمية [ الأولى ] بسرعة عجيبة . والثاني الأفلام السينمائية التي لا تذكي في الناس عواطف الحب الشهواني فحسب ، بل تلقنهم دروسًا عملية في بابه . والثالث انحطاط المستوى الخلقي في عامة النساء ، الذي يظهر في ملابسهن ، بل في عريهن ، وفي إكثارهن من التدخين ، واختلاطهن بالرجال بلا قيد ولا التزام . . هذه المفاسد الثلاث فينا إلى الزيادة والانتشار بتوالي الأيام . ولا بد أن يكون مآلها زوال الحضارة والاجتماع النصرانيين وفناءهما آخر الأمر . فإن نحن لم نحد من طغيانها ، فلا جرم أن يأتي تاريخنا مشابهًا لتاريخ الرومان ، ومن تبعهم من سائر الأمم ، الذين قد أوردهم هذا الاتباع للأهواء والشهوات موارد الهلكة والفناء ، مع ما كانوا فيه من خمر ونساء ، أو مشاغل رقص ولهو وغناء " .

والذي حدث أن أمريكا لم تحد من طغيان هذه العوامل الثلاثة ، بل استسلمت لها تمامًا وهي تمضي في الطريق الذي سار فيه الرومان !

ويكتب صحفي آخر عن موجة انحراف الشباب في أمريكا وبريطانيا وفرنسا ، ليهون من انحلال شبابنا ! يقول : انتشرت موجة الإجرام بين المراهقين والمراهقات من شباب أمريكا . وأعلن حاكم ولاية نيويورك ، أنه سوف يجعل علاج هذا الانحراف على رأس برنامج الإصلاح الذي يقوم به في الولاية :

وعمد الحاكم إلى انشاء المزارع و " الإصلاحيات " التهذيبية والأندية الرياضية . . الخ "

" ولكنه أعلن أن علاج الإدمان على المخدرات - التي انتشرت بصفة خاصة بين طلبة وطالبات الجامعات ومنها الحشيش والكوكايين ! - لا يدخل في برنامجه ، وأنه يترك أمره للسلطات الصحية !

" وأما في انجلترا فقد كثرت في العامين الأخيرين جرائم الاعتداء على النساء وعلى الفتيات الصغيرات في طرق الريف . وفي معظم الحالات كان المعتدي أو المجرم غلامًا مراهقًا . وفي بعضها كان المجرم يعمد إلى خنق الفتاة أو الطفلة ، وتركها جثة هامدة ، حتى لا تفشي سره ، أو تتعرف عليه ، إذا عرضه عليها رجال البوليس .

" ومنذ شهرين اثنين كان شيخ عجوز في طريقه إلى القرية ، عندما أبصر على جانب الطريق - وتحت شجرة - غلامًا يضاجع فتاة . .

" واقترب الشيخ منهما ، ووكز الغلام بعصاه وزجره ووبخه ، وقال له : إن ما يفعله لا يجوز ارتكابه في الطريق العام !

" ونهض الفتى ، وركل الشيخ بكل قوته في بطنه . . . ووقع الشيخ .

" وهنا ركله الفتى في رأسه بحذائه . . . واستمر يركله بقسوة حتى تهشم الرأس !

" وكان الغلام في الخامسة عشرة ، والفتاة في الثالثة عشرة من عمرها ! "

وقد قررت لجنة الأربعة عشر الأمريكية التي تعنى بمراقبة حالة البلاد الخلقية أن 90 في المائة من الشعب الأمريكي مصابون بالأمراض السرية الفتاكة [ وذلك قبل وجود المركبات الحديثة من مضادات الحيويات كالبنسلين والاستريبتومايسين ! ]

وكتب القاضي لندسي بمدينة " دنفر " أنه من كل حالتي زواج تعرض قضية طلاق !

وكتب الطبيب العالم العالمي ألكسيس كاريل في كتابه : " الإنسان ذلك المجهول " :

" بالرغم من أننا بسبيل القضاء على إسهال الأطفال والسل والدفتريا والحمى التيفودية . الخ فقد حلت محلها أمراض الفساد والانحلال . فهناك عدد كبير من أمراض الجهاز العصبي والقوى العقلية . . . ففي بعض ولايات أمريكا يزيد عدد المجانين الذين يوجدون في المصحات على عدد المرضى الموجودين في جميع المستشفيات الأخرى . وكالجنون ، فإن الاضطرابات العصبية وضعف القوى العقلية آخذ في الازدياد . وهي أكثر العناصر نشاطًا في جلب التعاسة للأفراد ، وتحطيم الأسر . . إن الفساد العقلي أكثر خطورة على الحضارة من الأمراض المعدية ، التي قصر علماء الصحة والأطباء اهتمامهم عليها حتى الآن ! . .

هذا طرف مما تتكلفه البشرية الضالة ، في جاهليتها الحديثة ، من جراء طاعتها للذين يتبعون الشهوات ولا يريدون أن يفيئوا إلى منهج الله للحياة . المنهج الملحوظ فيه اليسر والتخفيف على الإنسان الضعيف ، وصيانته من نزواته ، وحمايته من شهواته ، وهدايته إلى الطريق الآمن ، والوصول به إلى التوبة والصلاح والطهارة :

( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما . يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ) .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا} (28)

{ يريد الله أن يخفف عنكم } فلذلك شرع لكم الشرعة الحنيفية السمحة السهلة ، ورخص لكم في المضايق كإحلال نكاح الأمة . { وخلق الإنسان ضعيفا } لا يصبر عن الشهوات ولا يتحمل مشاق الطاعات . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ثمان آيات في سورة النساء هن خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت هذه الثلاث : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } ، { إن الله لا يغفر أن يشرك به } ، { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } ، { ومن يعمل سوءا يجز به } ، { وما يفعل الله بعذابكم } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا} (28)

وقوله تعالى : { يريد الله أن يخفف عنكم } المقصد الظاهر بهذه الآية أنها في تخفيف الله تعالى ترك نكاح الإماء بإباحة ذلك ، وأن إخباره عن ضعف الإنسان إنما هو في باب النساء ، أي لما علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء ، وكذلك قال مجاهد وابن زيد وطاوس ، وقال طاوس : ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء .

قال القاضي أبو محمد : ثم بعد هذا المقصد تخرج الآية في مخرج التفضل ، لأنها تتناول كل ما خفف الله تعالى عن عباده ، وجعله الدين يسراً ، ويقع الإخبار عن ضعف الإنسان عاماً ، حسبما هو في نفسه ضعيف يستميله هواه في الأغلب و { الإنسان } رفع على ما لم يسم فاعله ، و { ضعيفاً } حال ، وقرأ ابن عباس ومجاهد «وخَلقَ الإنسان » على بناء الفعل للفاعل و { ضعيفاً } حال أيضاً على هذه القراءة ويصح أن يكون { خلق } بمعنى جعل ، فيكسبها ذلك قوة التعدي إلى مفعولين ، فيكون قوله { ضعيفاً } مفعولاً ثانياً .