{ مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ } أي : من قدامهم جهنم ؛ لأنهم يوجهون إليها بعد موتهم ، أو هي من خلفهم ؛ لأنهم معرضون عنها ، ومهملون لما يبعدهم عن دخولها .
والوراء : اسم يستمعل بمعنى الأمام والخلف ، لأنه يطلق على الجهة التى يواريها الشخص فتعم الخلف والأمام .
{ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً } أي : ولا يدفع عنهم ما كسبوه في الدنيا من اموال شيئا من العذاب ، ولو كان هذا الشيء يسيرا ، كما قال - تعالى - : { إِنَّ الذين كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ الله شَيْئاً وأولئك هُمْ وَقُودُ النار }
فقوله { وَلاَ يُغْنِي } من الغناء - بفتح الغين - بمعنى الدفع والنفع ، ومنه قول الشاعر :
وقل غناء عنك مال جمعته . . . إذا صار ميراثا وواراك لاحد
{ وَلاَ مَا اتخذوا مِن دُونِ الله أَوْلِيَآءَ } أي : ولا يغني عنهم - أيضا - ما اتخذوه من دون الله - تعالى - من معبودات باطلة .
و { مَّا } في قوله { مَّا كَسَبُواْ } و { مَا اتخذوا } موصولة والعائد محذوف . ويصح أن تكون في الموضعين مصدرية .
{ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } لا يعلم مقدار شدته وهوله إلا الله - تعالى - وحده .
وهو عذاب حاضر قريب ؛ وإن كان موعده آتياً بعد حين . ولكنه في حقيقته قائم موجود :
ولفظ ( من ورائهم )مقصودة ظلاله فوق معناه . وظلاله . . أنهم لا يرونه لأنه من ورائهم ولا يتقونه لأنهم في غفلة عنه ؛ ولا يفوتهم فهم سيقعون فيه !
( ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئاً ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ) . .
فليس شيء مما عملوا أو ملكوا بنافعهم شيئاً ، فعملهم - ولو صلح - هباء لا يقدرون على شيء منه ، وهو قائم على غير أساس من إيمان . وملكهم زائل لا يصاحبهم منه شيء فيه غناء . وأولياؤهم من دون الله - آلهة أو أعواناً وجنداً أو خلاناً - لا يملكون لهم نصراً ولا شفاعة .
فوق أنه مهين . فجرمهم في الاستهزاء بآيات الله قبيح يقتضي المهانة ، جسيم يقتضي جسامة التعذيب . .
وقوله : { أولئك } رد على لفظ كل أفاك ، لأنه اسم جنس له الصفات المذكورة بعد قوله : { من ورائهم جهنم } قال فيه بعض المفسرين معناه : من أمامهم ، وهذا نحو الخلاف الذي في قوله تعالى : { وكان وراءهم ملك }{[10262]} [ الكهف : 79 ] ولحظ قائل هذه المقالة الأمر من حيث تأول أن الإنسان كأنه من عمره يسير إلى جنة أو نار ، فهما أمامه ، وليس لفظ الوراء في اللغة كذلك ، وإنما هو ما يأتي خلف الإنسان ، وإذا اعتبر الأمر بالتقدم أو التأخر في الوجود ، على أن الزمان كالطريق للأشياء استقام الأمر ، فما يأتي بعد الشيء في الزمان فهو وراءه ، فكأن الملك وأخذه السفينة وراء ركوب أولئك إياها ، وجهنم وإحراقها للكفرة يأتي بعد كفرهم وأفعالهم ، وهذا كما تقول : افعل كذا وأنا من ورائك عضداً ، وكما تقول ذلك على التهديد ، أنا من وراء التقصي عليك ، ونحو هذا . وقوله تعالى : { ولا ما اتخذوا } يعني بذلك الأوثان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.