ثم بين - سبحانه - ما أعده للمؤمنين الصادقين من ثواب ، وساق جانبا مما يدور بينهم وبين المنافقين من محاورات . . . فقال - تعالى - : { يَوْمَ تَرَى المؤمنين . . . } .
قوله - تعالى - { يَوْمَ تَرَى المؤمنين } منصوب بفعل مقدر ، والرؤية بصرية ، والخطاب لكل من يصلح له .
والمعنى : واذكر - أيها العاقل - لتتعظ ولتعتبر ، يوم تبصر المؤمنين والمؤمنات { يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم } . والأيمان : جميع يمين . والمراد جهة اليمين .
أى : يتحرك نورهم معهم من أمامهم ، ومن جهة يمينهم ، على سبيل التشريف والتكريم لهم .
قال ابن كثير : يقول - تعالى - مخبرا عن المؤمنين المتصدقين ، أنهم يوم القيامة ، يسعى نورهم بين أيديهم فى عرصات القيامة بحسب أعمالهم ، كما قال عبد الله بن مسعود : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، ويمرون على الصراط ، منهم من نوره مثل الجبل ، ومنهم من نوره مثل النخلة ، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم .
وعطف - سبحانه - { المؤمنات } على { المؤمنين } للتنبيه على أن كلا من الذكر والأنثى . له أجره على عمله الصالح ، بدون إجحاف أو محاباة لجنس على جنس ، كما قال - تعالى - : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } والباء فى قوله : { وَبِأَيْمَانِهِم } بمعنى عن . واقتصر على ذكر الإيمان على سبيل التشريف لتلك الجهة ، والمراد أن نورهم يحيط بهم من جميع جوانبهم .
وقوله : { بُشْرَاكُمُ اليوم جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم } مقول لقول محذوف .
وقوله : تقول لهم الملائكة على سبيل التكريم والتحية : نبشركم اليوم بجنات عظيمة . تجرى من تحت ثمارها وأشجارها الأنهار العذبة ، حالة كونكم خالدين فيها خلودا أبديا ، وذلك الذى أنتم فيه من نور يسعى بين أيديكم ، ومن جنات أنتم خالدون فيها . . . هو الفوز العظيم ، الذى لا يعادله فوز أو فلاح .
ثم يعرض لهم صفحة وضيئة من ذلك الأجر الكريم ، في مشهد من مشاهد اليوم الذي يكون فيه ذلك الأجر الكريم .
" والمشهد هنا بإجماله وتفصيله جديد - بين المشاهد القرآنية - وهو من المشاهد التي يحييها الحوار بعد أن ترسم صورتها المتحركة رسما قويا . فنحن الذين نقرأ القرآن اللحظة نشهد مشهدا عجيبا . هؤلاء هم المؤمنون والمؤمنات نراهم . ولكننا نرى بين أيديهم وبأيمانهم إشعاعا لطيفا هادئا . ذلك نورهم يشع منهم ويفيض بين أيديهم . فهذه الشخوص الإنسانية قد أشرقت وأضاءت وأشعت نورا يمتد منها فيرى أمامها ويرى عن يمينها . . إنه النور الذي أخرجها الله إليه وبه من الظلمات . والذي أشرق في أرواحها فغلب على طينتها . أم لعله النور الذي خلق الله منه هذا الكون وما فيه ومن فيه ، ظهر بحقيقته في هذه المجموعة التي حققت في ذواتها حقيقتها !
" ثم ها نحن أولاء نسمع ما يوجه إلى المؤمنين والمؤمنات من تكريم وتبشير : ( بشراكم اليوم جنات تجري
يوم ترى المؤمنين والمؤمنات ظرف لقوله وله أو فيضاعفه أو مقدر باذكر يسعى نورهم ما يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنة بين أيديهم وبأيمانهم لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين بشراكم اليوم جنات أي يقول لهم من يتلقاهم من الملائكة بشراكم أي المبشر به جنات أو بشراكم دخول جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم الإشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات المخلدة .
العامل في : { يوم } قوله { وله أجر كريم } [ الحديد : 11 ] . والرؤية في هذه الآية رؤية عين . والنور : قال الضحاك بن مزاحم : هي استعارة ، عبارة عن الهدى والرضوان الذي هم فيه . وقال الجمهور : بل هو نور حقيقة ، وروي في هذا عن ابن عباس وغيره آثار مضمنها : أن كل مؤمن ومظهر للإيمان يعطى يوم القيامة نوراً فيطفأ نور كل منافق ويبقى نور المؤمنين . حتى أن منهم من نوره يضيء كما بين مكة وصنعاء ، رفعه قتادة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من نوره كالنخلة السحوق{[10965]} . ومنهم من نوره يضيء ما بين قرب من قدميه ، قال ابن مسعود : ومنهم من يهم بالانطفاء مرة ويتبين مرة على قدر المنازل في الطاعة والمعصية . وخص تعالى بين الأيدي بالذكر لأنه موضع حاجة الإنسان إلى النور .
واختلف الناس في قوله : { وبأيمانهم } فقال بعض المتأولين المعنى : وعن أيمانهم ، فكأنه خص ذكر جهة اليمين تشريفاً ، وناب ذلك مناب أن يقول : وفي جميع جهاتهم ، وقال آخرون منهم ، المعنى : { وبأيمانهم } كتبهم بالرحمة . وقال جمهور المفسرين ، المعنى : يسعى نورهم بين أيديهم ، يريد الضوء المنبسط من أصل النور . { وبأيمانهم } أصله ، والشيء الذي هو متقد فيه .
قال القاضي أبو محمد : فضمن هذا القول أنهم يحملون الأنوار ، وكونهم غير حاملين[ لها ]{[10966]} أكرم ، ألا ترى أن فضيلة عباد بن بشر وأسيد بن حضير{[10967]} إنما كانت بنور لا يحملانه . هذا في الدنيا فكيف في الآخرة ، ومن هذه الآية انتزع حمل المعتق للشمعة .
وقرأ الناس : «بأيمانهم » جمع يمين . وقرأ سهل بن سعد وأبو حيوة : «بإيمانهم » بكسر الألف ، وهو معطوف على قوله : { بين أيديهم } كأنه قال : كائناً بين أيديهم ، وكائناً بسبب إيمانهم .
وقوله تعالى : { بشراكم } معناه ، يقال لهم : بشراكم جنات ، أي دخول جنات ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه .
وقوله تعالى : { خالدين فيها } إلى آخر الآية ، مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم وقرأ ابن مسعود : «ذلك الفوز العظيم » بغير هو .
وقوله تعالى : { يوم يقول المنافقون والمنافقات } قال بعض النحاة : { يوم } بدل من الأول وقال آخرون منهم العامل فيه فعل مضمر تقديره : اذكر .
قال القاضي أبو محمد : ويظهر لي أن العامل فيه قوله تعالى : { ذلك هو الفوز العظيم } ويجيء معنى { الفوز } أفخم ، كأنه يقول : إن المؤمنين يفوزون بالرحمة يوم يعتري المنافقين كذا وكذا ، لأن ظهور المرء يوم خمول عدوه ومضاده أبدع وأفخم ، وقول المنافقين هذه المقالة الممكنة هو عند انطفاء أنوارهم كما ذكرنا قبل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.