التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لِإِخۡوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَئِنۡ أُخۡرِجۡتُمۡ لَنَخۡرُجَنَّ مَعَكُمۡ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمۡ أَحَدًا أَبَدٗا وَإِن قُوتِلۡتُمۡ لَنَنصُرَنَّكُمۡ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (11)

قال الآلوسى : قوله - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نَافَقُواْ . . } حكاية لما جرى بين الكفرة والمنافقين من الأقوال الكاذبة والأحوال الفاسدة وتعجب منها بعد حكاية محاسن أحوال المؤمنين على اختلاف طبقاتهم ، والخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب .

والآية - كما روى عن ابن عباس - نزلت فى رهط من بنى عوف منهم عبد الله بن أبى بن سلول . . . بعثوا إلى بنى النضير بما تضمنته الجمل المحكية ، بقوله - تعالى - : { يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب . . } .

والمراد بالأخوة فى قوله - سبحانه - : { يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ } : أخوة فى الكفر والفسوق والعصيان . . . } .

والمعنى : ألم يصل إلى علمك - أيها الرسول الكريم - حال أولئك المنافقين الذين أظهروا الإسلام ، وأبطنوا الكفر ، وهم يقولون لإخوانهم فى الكفر من أهل الكتاب ، وهم : يهود بنى النضير ، أثناء محاصرتكم - أيها المؤمنون - لهم .

يقولون لهم : والله { لئن أخرجتم } من دياركم { لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ } أي : لنخرجن من ديارنا معكم ، لنكون مصاحبين لكم حيثما سرتم .

ويقولون لهم : - أيضا - { وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً . . } أى : ولا نطيع فى شأنكم أحدا أبدا ، يريد العدوان عليكم ، أو يريد منعنا من الخروج معكم ومؤازرتكم . . .

ويقولون لهم - كذلك - : { وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ } أى : وإن قاتلكم المسلمون ، لنقفن إلى جواركم ، ولنقدمن العون الذي يؤدي إلى نصركم .

وقوله - سبحانه - : { والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } رد عليهم ، وإبطال لمزاعمهم .

أي : والله - تعالى - يشهد بأن هؤلاء المنافقين لكاذبون في أقوالهم ، وفي عهودهم . . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لِإِخۡوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَئِنۡ أُخۡرِجۡتُمۡ لَنَخۡرُجَنَّ مَعَكُمۡ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمۡ أَحَدًا أَبَدٗا وَإِن قُوتِلۡتُمۡ لَنَنصُرَنَّكُمۡ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (11)

وحين ينتهي السياق من رسم هذه الصورة الوضيئة ، ورفعها على الأفق في إطار النور . يعود إلى الحادث الذي نزلت فيه السورة ، ليرسم صورة لفريق آخر ممن اشتركوا فيها . فريق المنافقين :

ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب : لئن أخرجتم لنخرجن معكم ، ولا نطيع فيكم أحدا أبدا ، وإن قوتلتم لننصرنكم ، والله يشهد إنهم لكاذبون . لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ، ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ، ولئن نصروهم ليولن الأدبار ، ثم لا ينصرون . لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ، ذلك بأنهم قوم لا يفقهون . لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر ، بأسهم بينهم شديد ، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ، ذلك بأنهم قوم لا يعقلون . كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ، ولهم عذاب أليم . كمثل الشيطان إذ قال للإنسان : اكفر . فلما كفر قال : إني بريء منك ، إني أخاف الله رب العالمين . فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ، وذلك جزاء الظالمين . .

وهي حكاية لما قاله المنافقون ليهود بني النضير ، ثم لم يفوا به ، وخذلوهم فيه ، حتى أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب . ولكن في كل جملة قرآنية لفتة تقرر حقيقة ، وتمس قلبا ، وتبعث انفعالا ، وتقر مقوما من مقومات التربية والمعرفة والإيمان العميق .

وأول لفتة هي تقرير القرابة بين المنافقين والذين كفروا من أهل الكتاب : ( ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ) . فأهل الكتاب هؤلاء كفروا . والمنافقون إخوانهم ولو أنهم يلبسون رداء الإسلام !

ثم هذا التوكيد الشديد في وعد المنافقين لإخوانهم : ( لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا ، وإن قوتلتم لننصرنكم ) . .

والله الخبير بحقيقتهم يقرر غير ما يقررون ، ويؤكد غير ما يؤكدون : ( والله يشهد إنهم لكاذبون

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لِإِخۡوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَئِنۡ أُخۡرِجۡتُمۡ لَنَخۡرُجَنَّ مَعَكُمۡ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمۡ أَحَدًا أَبَدٗا وَإِن قُوتِلۡتُمۡ لَنَنصُرَنَّكُمۡ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (11)

{ ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب } يريد الذين بينهم وبينهم أخوة الكفر أو الصداقة والموالاة { لئن أخرجتم } من دياركم { لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم } في قتالكم أو خذلانكم { أحدا أبدا }أي من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، { وإن قوتلتم لننصرنكم }لنعاوننكم ، { والله يشهد إنهم لكاذبون } لعلمه بأنهم لا يفعلون ذلك ، كما قال لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لِإِخۡوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَئِنۡ أُخۡرِجۡتُمۡ لَنَخۡرُجَنَّ مَعَكُمۡ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمۡ أَحَدًا أَبَدٗا وَإِن قُوتِلۡتُمۡ لَنَنصُرَنَّكُمۡ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (11)

هذه الآية نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول ورفاعة بن التابوت ، وقوم من منافقي الأنصار كانوا بعثوا إلى بني النضير وقالوا لهم ، أثبتوا في معاقلكم فإنا معكم حيثما تقلبت حالكم ، وإنما أرادوا بذلك أن تقوى نفوسهم عسى أن يثبتوا حتى لا يقدر محمد عليهم فيتم لهم مرادهم وكانوا كذبة فيما قالوا من ذلك ، ولذلك لم يخرجوا حين أخرج بني النضير بل قعدوا في ديارهم .