اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لِإِخۡوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَئِنۡ أُخۡرِجۡتُمۡ لَنَخۡرُجَنَّ مَعَكُمۡ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمۡ أَحَدًا أَبَدٗا وَإِن قُوتِلۡتُمۡ لَنَنصُرَنَّكُمۡ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (11)

قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ } . للتبليغ فقط بخلاف قوله عز وجل : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } [ العنكبوت : 12 ] فإنها تحتمل ذلك وتحتمل العلة .

فصل

قال القرطبي رحمه الله{[56001]} : هذه الآية سبب التعجب من اغترار اليهود لما وعدهم المنافقون من النصر معهم مع علمهم بأنهم لا يعتقدون ديناً ولا كتاباً .

قال المقاتلان{[56002]} : يعني عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، وعبد الله بن نبتل ، ورفاعة بن زيد ، وقيل : رفاعة بن تابوت ، وأوس بن قيظي ، كانوا من الأنصار ولكنهم نافقوا ، ومالوا ليهود قريظة والنضير .

والإخوان : هم الإخوة ، وهي هنا تحتمل وجوهاً{[56003]} :

أحدها : الأخوّة في الكفر ؛ لأن اليهود والمنافقين اشتركوا في عموم الكفرِ بمحمد صلى الله عليه وسلم .

وثانيها : الأخوّة بسبب المصادقة والموالاة والمعاونة .

وثالثها : الأخوّة بسبب اشتراكهم في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم .

فقالوا لليهود : { لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ } من المدينة { لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ } .

وقيل : هذا من قول بني النضير لقريظة ، وقولهم : { وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً } يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم قالوا : لا نطيعه في قتالكم .

وفيه دليل على صحة نبوّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من جهة علم الغيب ؛ لأنهم أخرجوا فلم يخرجوا معهم ، وقوتلوا فلم ينصروهم كما قال سبحانه وتعالى : { والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } في قولهم وفعلهم{[56004]} .

فقولهم : { وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً } أي : في قتالكم أو في خذلانكم{[56005]} .

قوله تعالى : { وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ } .

أجيب القسم المقدر ، لأن قبل «إن » لام موطئة حذفت للعلم بمكانها ، فإنَّ الأكثر الإتيان بها ، ومثله قوله : { وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ } [ المائدة : 73 ] وقد تقدم .


[56001]:السابق.
[56002]:ينظر: الفخر الرازي 29/251.
[56003]:السابق.
[56004]:ينظر: القرطبي 18/23.
[56005]:ينظر: الدر المصون 6/297.