تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لِإِخۡوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَئِنۡ أُخۡرِجۡتُمۡ لَنَخۡرُجَنَّ مَعَكُمۡ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمۡ أَحَدًا أَبَدٗا وَإِن قُوتِلۡتُمۡ لَنَنصُرَنَّكُمۡ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (11)

الآية 11 وقوله تعالى : { ألم تر إلى الذين نافقوا يقولن لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب } هذه الآية تدل على أن الله تعالى جعل حجة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم على المنافقين في أنفسهم ، لأنهم قالوا هذا القول سرا منهم إلى أهل الكتاب ، لأنه لا يحتمل أن يظهروا مثل هذا القول بين يدي المؤمنين ، ولا كان الكفار يخبرون بهذا أحدا من المؤمنين .

فلما أخبر ما قال المنافقون ثبت أنه ما علمه إلا عن الوحي والتنزيل / 561 – أ/ وذلك علم نبوته عليهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { لئن أخرجتم لنخرجن معكم } يحتمل وجهين :

أحدهما : أنه يجوز أن يكونوا قالوا لهم هذا على أن يكونوا{[20937]} أتباعهم في القتال .

والثاني : أنهم قالوا ذلك لأهل الكتاب على حسبان منهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا علم بحال هؤلاء لم يخرجهم من المدينة خوفا أن يقال : أخرج أصحابه ، وإذا لم يخرج أولئك لم يخرج أهل الكتاب ، ولم يقاتلوا .

وقوله تعالى : { ولا نطيع فيكم أحدا أبدا } يعني لا ننظر أحدا فيكم أبدا

وقوله تعالى : { وإن قوتلتم لننصرنكم } يجوز{[20938]} أن يكونوا وعدوا نصرهم وهم{[20939]} في قرى محصنة . ثم أخبر أنهم ، وإن نصروهم ، ثم انهزموا ، هربوا ، وانصرفوا{[20940]} وتولوا ، ولم ينصروهم بعد ذلك أبدا .

وقوله تعالى : { والله يشهد إنهم لكاذبون } ولقائل أن يقول : كيف يشهد عليهم بالكذب ، والكذب إنما يدخل في الأخبار ؟ وقولهم الذي قالوا إنما هو وعد منهم ، فحقه أن يقال : إنهم لمخلفو الوعد .

وبمثل هذه الآية يحتج الخوارج في تكفير من أذنب ذنبا ؛ وذلك أنهم يقولون : إن من آمن بالله تعالى فقد اعتقد ألا يعصيه ، فإذا عصاه تبين بعصيانه كذب في اعتقاده ، فكفر لهذا المعنى .

ومن جوابنا عن هذا : أن قول المنافقين لأهل الكتاب إخبار منهم عن موالاتهم إياهم ، فأخبر الله تعالى أنهم كاذبون في ما أخبروا عن الموالاة ، والله أعلم .


[20937]:في الأصل و م: يتكبر.
[20938]:في الأصل و م: من.
[20939]:في الأصل و م: هذا.
[20940]:في الأصل و م: نصروا.