السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لِإِخۡوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَئِنۡ أُخۡرِجۡتُمۡ لَنَخۡرُجَنَّ مَعَكُمۡ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمۡ أَحَدًا أَبَدٗا وَإِن قُوتِلۡتُمۡ لَنَنصُرَنَّكُمۡ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (11)

ولما ذكر حال المؤمنين اتبعهم بذكر حال المنافقين فقال تعالى : { ألم تر } أي : تعلم علماً هو في غاية الجزم كالمشاهدة يا أعلى الخلق ، وبين بعدهم عن جنابه العالي ومنصبه الشريف العالي بأداة الانتهاء فقال تعالى : { إلى الذين نافقوا } أي : أظهروا غير ما أضمروا وبالغوا في إخفاء عقائدهم ، وهم عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه ، قالوا : والنفاق لفظ إسلامي لم تكن العرب تعرفه قبله ، وهو استعارة من الضب في نافقائه وقاصعائه وصور حالهم بقوله تعالى : { يقولون لإخوانهم الذين كفروا } أي : غطوا أنوار المعارف التي دلتهم على الحق { من أهل الكتاب } وهم اليهود من بني قريظة والنضير . والأخوان هم الأخوة ، وهي هنا تحتمل وجوهاً :

أحدها : الأخوة في الآخرة لأنّ اليهود والمنافقين اشتركوا في عموم الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم .

وثانيها : الأخوة بسبب المصادقة والموالاة والمعاونة .

وثالثها : الأخوة بسبب اشتراكهم في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا لليهود : { لئن أخرجتم } أي : من مخرجّ ما من المدينة { لنخرجن معكم } أي : منها { ولا نطيع فيكم } أي في خذلانكم { أحداً } أي يريد خذلانكم من الرسول والمؤمنين . وأكدوا بقولهم : { أبداً } أي : ما دمنا نعيش ، وبمثل هذا العزم يستحق الكافر الخلود الأبدي في العذاب { وإن قوتلتم } أي : من أي مقاتل كان يقاتلكم ولم تخرجوا { لننصرنكم } أي : لنعيننكم ولنقاتلنّ معكم .

ولما كان قولهم هذا كلاماً يقضي عليه سامعه بالصدق من حيث كونه مؤكداً مع كونه مبتدأ من غير سؤال فيه بين حاله سبحانه بقوله تعالى : { والله } أي : يقولون ذلك والحال أنّ المحيط بكل شيء قدرة وعلماً { يشهد إنهم } أي : المنافقين { لكاذبون } أي : فيما قالوا ووعدوا ، وهذا من أعظم دلائل النبوّة لأنه إخبار بغيب بعيد عن العادة .