فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لِإِخۡوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَئِنۡ أُخۡرِجۡتُمۡ لَنَخۡرُجَنَّ مَعَكُمۡ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمۡ أَحَدًا أَبَدٗا وَإِن قُوتِلۡتُمۡ لَنَنصُرَنَّكُمۡ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (11)

ولما فرغ سبحانه من ذكر الطبقات الثلاث من المؤمنين ذكر ما جرى بين المنافقين واليهود من المقاولة لتعجيب المؤمنين من حالهم فقال :

{ * ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون ( 11 ) لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ( 12 ) لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ( 13 ) لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ( 14 ) كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ( 15 ) } .

{ ألم تر إلى الذين نافقوا ؟ } هم عبد الله بن أبيّ وأصحابه وقال ابن عباس : ورفاعة بن تابوت وعبد الله بن نبتل وأوس بن قيظي وإخوانهم بنو النضير ، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح له { يقولون لإخوانهم } اللام لام التبليغ { الذين كفروا من أهل الكتاب } مستأنفة لبيان المتعجب منه ، والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة ، أو للدلالة على الاستمرار ، وجعلهم إخوانا لهم لكون الكفر قد جمعهم ، وإن اختلف نوع كفرهم فهم إخوان في الكفر ، وقيل : هو من قول بني النضير لبني قريظة ، والأول أولى لأن بني النضير وبني قريظة هم يهود ، والمنافقون غيرهم .

{ لئن أخرجتم } اللام هي الموطئة للقسم ، وتسمى المؤذنة أيضا ، أي والله لئن أخرجتم من دياركم { لنخرجن معكم } من ديارنا في صحبتهم وهذا جواب القسم { ولا نطيع فيكم } أي في شأنكم ومن أجلكم { أحدا } ممن يريد أن يمنعنا من الخروج معكم وإن طال الزمان ، وهو معنى قوله : { أبدا } وهوة ظرف للنفي لا للمنفي ، ثم لما وعدوهم بالخروج معهم وعدوهم بالنصرة لهم ، فقالوا : { وإن قوتلتم } حذف منه اللام الموطئة ، وهو قليل في كلام العرب ، والكثير إثباتها { لننصرنكم } على عدوكم ثم كذبهم الله سبحانه فقال :{ والله يشهد إنهم لكاذبون } فيما وعدهم به من الخروج معهم ، والنصر لهم ، وفيه دليل على صحة النبوة ، ولأنه إخبار بالغيب ، ووقع كما أخبر وهذا مبني على تقدم نزول الآية على الواقعة ، وعليه يدل النظم ، فإن كلمة إن للاستقبال وإعجاز القرآن من حيث الإخبار عن الغيب ، عن ابن عباس قال : إن رهطا من بني عوف بن الحرث منهم عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، ووديعة بن مالك ، وسويد ، وداعس ، بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا فإننا لا نسلمكم ، وإن قوتلتم قاتلنا معكم ، وإن أخرجتم خرجنا معكم ، فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل إلى الحلقة ففعل فكان الرجل منهم يهدم بيته فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به فخرجوا إلى خيبر ، ومنهم من سار إلى الشام .