التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَمَنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ تَقۡوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٍ خَيۡرٌ أَم مَّنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٖ فَٱنۡهَارَ بِهِۦ فِي نَارِ جَهَنَّمَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (109)

بين - سبحانه - أنه لا يتسوى من أسس بنيانه على الحق ، ومن أسس نبيانه على الباطل فقال : { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ على تقوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فانهار بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ } .

قال صاحب الكشاف : قرئ أَسَّسَ بنيانَه ، وأُسِسّ بنيانهُ على البناء للفاعل والمفعول . والشفا . الحرف والشفير . وحرف الوادى : جانبه الذي يتحفر أصله بالماء وتجرفه السيول ، فيبقى واهيا ، والهار وهو المتصدع الذي أوشك على التهدم - وهار صفة لجرف ، أى جرف موصوف بأنه هائر أى متساقط .

والمعنى : أفمن أسس بنيان دنيه على قاعدة قوية محكمة ، وهى الحق الذي هو تقوى الله ورضوانه { خَيْرٌ أَم مَّنْ } أسسه على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها وأقلها بقاء ، وهو الباطل والنفاق الذي مثله مثل { شَفَا جُرُفٍ هَارٍ } في قلة الثبات والاستمساك .

وضع شفا الجرف في مقابلة التقوى ، لأنه جعل مجازاً عما ينافى التقوى .

فإن قلت : فما معنى قوله : { فانهار بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ } .

قلت : لما جعل الجرف الهائر مجازا عن الباطل ، قيل : فانهار به في نار جهنم ، على معنى : فطاح به الباطل في نار جهنم ، إلا أنه شح المجاز فجئ بلفظ الانهيار الذي هو للجرف ، وليتصور أن المبطل كأنه اسس بنيانه على شفا جرف من اودية جهنم ، فانهار به ذلك الجرف فهوى في قعرها ، ولا ترى أبلغ من هذا الكلام ، ولا أدل منه على حقيقة الباطل ولكنه أمره .

وقال صاحب المنار ما ملخصه : والمراد بالمثل هنا ببيان ثبات الحق الذي هو دين الإِسلام وقوته ، ودوامه ، وسعادة أهله به ، وذكره باثره وثمرته في عمل أهله وجماعها التقوى ، وبيان ضعف الباطل واضمحلاله وقرب زواله ، وخيبة صاحبه ، وسرعة انقطاع آماله .

وقد ذكر في وصف بنيان الفريق الأول وهم المؤمنون المشبه دون المشبه به لأنه هو المقصود بالذات ، وذكر من وصف الفريق الثانى - وهم المنافقون - الهيئة المشبه بها دون المشبه ، لأنه ذكر قبل ذلك مقاصدهم الخبيثة من بناء مسجد الضرار . وهذا من دقائق إيجاز القرآن .

وقوله : { والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين } أى مضت سنة الله - تعالى - في خلقه أنه - سبحانه - لا يهدى إلى طريق الخير ، أولئك الذين استحبوا العمى على الهدى وظلموا أنفسهم بوضعهم الأمور في غير مواضعها .

/خ110

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَمَنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ تَقۡوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٍ خَيۡرٌ أَم مَّنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٖ فَٱنۡهَارَ بِهِۦ فِي نَارِ جَهَنَّمَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (109)

( أفمن أسس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوان خير ? أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم ? واللّه لا يهدي القوم الظالمين ) . .

فلنقف نتطلع لحظة إلى بناء التقوى الراسي الراسخ المطمئن . . ثم لنتطلع بعد إلى الجانب الآخر ! لنشهد الحركة السريعة العنيفة في بناء الضرار . . إنه قائم على شفا جرف هار . . قائم على حافة جرف منهار . . قائم على تربة مخلخلة مستعدة للانهيار . . إننا نبصره اللحظة يتأرجح ويتزحلق وينزلق ! . . إنه ينهار ! إنه ينزلق ! إنه يهوي ! إن الهوة تلتهمه ! يا للهول ! إنها نار جهنم . . ( واللّه لا يهدي القوم الظالمين ) . . الكافرين المشركين . الذين بنوا هذه البنية ليكيدوا بها هذا الدين !

إنه مشهد عجيب ، حافل بالحركة المثيرة ترسمه وتحركه بضع كلمات ! . . ذلك ليطمئن دعاة الحق على مصير دعوتهم ، في مواجهة دعوات الكيد والكفر والنفاق ! وليطمئن البناة على أساس من التقوى كلما واجهوا البناة على الكيد والضرار !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَفَمَنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ تَقۡوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٍ خَيۡرٌ أَم مَّنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٖ فَٱنۡهَارَ بِهِۦ فِي نَارِ جَهَنَّمَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (109)

{ أفمن أسّس بنيانه } بنيان دينه . { على تقوى من الله ورضوان خير } على قاعدة محكمة هو التقوى من الله وطلب مرضاته بالطاعة . { أم من أسّس بنيانه على شفا جُرُفٍ هارٍ } على قاعدة هي اضعف القواعد وأرخاها . { فانهار به في نار جهنم } فأدى به لخوره وقلة استمساكه إلى السقوط في النار ، وإنما وضع شفا الجرف وهو ما جرفه الوادي الهائر في مقابلة التقوى تمثيلا لما بنوا عليه أمر دينهم في البطلان وسرعة الانطماس ، ثم رشحه بانهياره به في النار ووضعه في مقابلة الرضوان تنبيها على أن تأسيس ذلك على أمر يحفظه من النار ويوصله إلى رضوان الله ومقتضياته التي الجنة أدناها ، وتأسيس هذا على ما هم بسببه على صدد الوقوع في النار ساعة فساعة ثم إن مصيرهم إلى النار لا محالة . وقرأ نافع وابن عامر { أسس } على البناء للمفعول . وقرئ " أساس بنيانه " و{ أسس بنيانه } على الإضافة و{ أسس } و " آساس " بالفتح والمد و " إساس " بالكسر وثلاثتها جمع أس ، و{ تقوى } بالتنوين على أن الألف للإلحاق لا للتأنيث كتترى ، وقرأ ابن عامر وحمزة وأبو بكر { جرف } بالتخفيف . { والله لا يهدي القوم الظالمين } إلى ما فيه صلاحهم ونجاحهم .