التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (54)

ثم بين - سبحانه - على التفصيل لمظاهر فسقهم - أن هناك ثلاثة أسباب أدت إلى عدم قبول نفقاتهم .

أما السبب الأول فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله : { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَبِرَسُولِهِ . . } .

أى : وما منعهم قبول نفقاتهم شئ من الأشياء إلا كفرهم بالله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .

فالاستثناء من أهم الأشياء . والضمير في " منعهم " هو المفعول الأول للفعل ، وقوله : { أَن تُقْبَلَ } هو المفعول الثانى ، لأن الفعل " منع " يتعدى لمفعولين تارة بنفسه كما هنا ، وتارة يتعدى إلى المفعول الثانى بحرف الجر وهو حرف " من " أو " عن " .

والفاعل ما في حيز الاستثناء وهو قوله : { إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ . . } .

وأما السبب الثانى فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله : { وَلاَ يَأْتُونَ الصلاة إِلاَّ وَهُمْ كسالى } .

ولفظ " كسالى " . جمع كسلان ، مأخوذ من الكسل بمعنى التثاقل عن الشئ ، والفتور عن أدائه . وفعله بزنة فرح .

أى : ولا يأتون الصلاة التي كبتها الله عليهم في حال من الأحوال ، إلا في حال كونهم قوم خلت قلوبهم من الإِيمان ، فصاروا لا يرجون من وراء أدائها ثواباً ولا يشخون من وراء تركها عقاباً ، وإنما يؤدونها رياء أو تقية للمسلمين .

وشبيه بهذه الجملة الكريمة قوله - تعالى - في سورة النساء : { إِنَّ المنافقين يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُواْ كسالى يُرَآءُونَ الناس وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلاً } وأما ، السبب الثالث فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله : { وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } .

أى . ولا ينفقون نفقة في سبيل الله إلا وهم كاروهون لها لأنهم يعدونها مغرماً ، ويعتبرون تركها مغنما ، وما حملهم على الإِنفاق إلا الرياء أو المخادعة أو الخوف من انكشاف أمرهم ، وافتضاح حالهم .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : الكراهية خلاف الطواعية ، وقد جعلهم الله - تعالى - طائعين في قوله " طوعاً " ثم وصفهم هنا بأنهم لا ينفقون إلا وهم كارهون فكيف ذلك .

قلت : المراد بطوعهم أنهم يبذلون نفقتهم من غير إلزام من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو من رؤسائهم ، وما طوعهم ذاك إلا عن كراهية واضطرار ، لا عن رغبة واختيار .

أى : أن نفقتهم في جميع الأحوال لا يقصد بها الاستجابة لشرع الله ، وإنما يقصد بها الرياء أو المخادعة ، أو خدمة مصالحهم الخاصة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (54)

( ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ) . .

فهم يأتونها مظهراً بلا حقيقة ، ولا يقيمونها إقامة واستقامة . يأتونها كسالى لأن الباعث عليها لا ينبثق من أعماق الضمير ، إنما يدفعون إليها دفعاً ، فيحسون أنهم عليها مسخرون ! وكذلك ينفقون ما ينفقون كارهين مكرهين .

وما كان اللّه ليقبل هذه الحركات الظاهرة التي لا تحدو إليها عقيدة ، ولا يصاحبها شعور دافع . فالباعث هو عمدة العمل والنية هي مقياسه الصحيح .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (54)

{ وما منعهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله } أي وما منعهم قبول نفقاتهم إلا كفرهم . وقرأ حمزة والكسائي " أن يقبل " بالياء لأن تأنيث النفقات غير حقيقي . وقرئ " يقبل " على أن الفعل لله . { ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى } متثاقلين . { ولا ينفقون إلا وهم كارهون } لأنهم لا يرجون بهما ثوابا ولا يخافون على تركهما عقابا .