التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجۡعَلُ لَكُمَا سُلۡطَٰنٗا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيۡكُمَا بِـَٔايَٰتِنَآۚ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلۡغَٰلِبُونَ} (35)

ثم حكى القرآن بعد ذلك ، أن الله - تعالى - قد أجاب لموسى رجاءه فقال : { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } .

شد العضد : كناية عن التقوية له ، لأن اليد تشتد وتقوى ، بشدة العضد وقوته . وهو من المرفق إلى الكتف .

أى قال - سبحانه - لقد استجبنا لرجائك يا موسى ، وسنقويك ونعينك بأخيك { وَنَجْعَلُ لَكُمَا } بقدرتنا ومشيئتنا { سُلْطَاناً } أى : حجة وبرهانا وقوة تمنع الظالمين { فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } بأذى ولا يتغلبان عليكما بحجة .

وقوله { بِآيَاتِنَآ } متعلق بمحذوف . أى : فوضا أمركما إلى ، واذهبا إلى فرعون وقومه بآياتنا الدالة على صدقكما .

وقوله - تعالى - : { أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون } مؤكد لمضمون ما قبله . من تقوية قلب موسى ، وتبشيره بالغلبة والنصر على أعدائه .

أى : أجبنا طلبك يا موسى ، وسنقويك بأخيك ، فسيرا إلى فرعون وقومه ، فسنجعل لكما الحجة عليهم . وستكونان أنتما ومن اتبعكما من المؤمنين أصحاب الغلبة والسلطان على فرعون وجنده .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجۡعَلُ لَكُمَا سُلۡطَٰنٗا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيۡكُمَا بِـَٔايَٰتِنَآۚ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلۡغَٰلِبُونَ} (35)

29

وهنا يتلقى موسى الإستجابة والتطمين :

( قال : سنشد عضدك بأخيك ، ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما . بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون ) . .

لقد استجاب ربه رجاءه ؛ وشد عضده بأخيه . وزاده على ما رجاه البشارة والتطمين : ( ونجعل لكما سلطانا ) . . فهما لن يذهبا مجردين إلى فرعون الجبار . إنما يذهبان إليه مزودين بسلطان لا يقف له في الأرض سلطان ؛ ولا تنالهما معه كف طاغية ولا جبار : ( فلا يصلون إليكما ) . . وحولكما من سلطان الله سياج ، ولكما منه حصن وملاذ .

ولا تقف البشارة عند هذا الحد . ولكنها الغلبة للحق . الغلبة لآيات الله التي يجبهان بها الطغاة . فإذا هي وحدها السلاح والقوة ، وأداة النصر والغلبة : ( بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون ) .

فالقدرة تتجلى سافرة على مسرح الحوادث ؛ وتؤدي دورها مكشوفا بلا ستار من قوى الأرض ، لتكون الغلبة بغير الأسباب التي تعارف عليها الناس ، في دنيا الناس ، وليقوم في النفوس ميزان جديد للقوى والقيم . إيمان وثقة بالله ، وما بعد ذلك فعلى الله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجۡعَلُ لَكُمَا سُلۡطَٰنٗا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيۡكُمَا بِـَٔايَٰتِنَآۚ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلۡغَٰلِبُونَ} (35)

فلما سأل ذلك قال الله تعالى : { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } أي : سنقوي أمرك ، ونعز جانبك بأخيك ، الذي سألت له أن يكون نبيا معك . كما قال في الآية الأخرى : { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى } [ طه : 36 ] ، وقال تعالى : { وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا } [ مريم : 53 ] . ولهذا قال بعض السلف : ليس أحد أعظم مِنَّةً على أخيه ، من موسى على هارون ، عليهما السلام ، فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبيًّا ورسولا معه إلى فرعون وملئه ، ولهذا قال [ الله تعالى ]{[22316]} في حق موسى : { وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا } [ الأحزاب : 69 ] .

وقوله تعالى : { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا } أي : حجة قاهرة ، { فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا } أي : لا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما بسبب إبلاغكما آيات الله ، كما قال الله تعالى [ لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ]{[22317]} : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ] وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [ المائدة : 67 ] {[22318]} . وقال تعالى : { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } [ الأحزاب : 39 ] ، أي : وكفى بالله ناصرًا ومعينًا ومؤيدًا . ولهذا أخبرهما أن العاقبة لهما ولِمَنْ اتبعهما في الدنيا والآخرة ، فقال : { أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ } ، كما قال تعالى : { كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ المجادلة : 21 ] ، وقال تعالى : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ . يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [ غافر : 51 ، 52 ] .

ووجه ابن جرير على أن المعنى : { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } ، ثم يبتدئ فيقول : { بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ } ، تقديره : أنتما ومَنْ اتبعكما الغالبون بآياتنا{[22319]} .

ولا شك أن هذا المعنى صحيح ، وهو حاصل من التوجيه الأول ، فلا حاجة إلى هذا ، والله أعلم .


[22316]:- زيادة من ت ، ف ، أ.
[22317]:- زيادة من ت ، أ.
[22318]:- زيادة من ت ، أ ، وفي هـ : "إلى قوله".
[22319]:- تفسير الطبري (20/48).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجۡعَلُ لَكُمَا سُلۡطَٰنٗا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيۡكُمَا بِـَٔايَٰتِنَآۚ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلۡغَٰلِبُونَ} (35)

و «شد العضد » استعارة في المعونة والإنهاض ، وقرأ الحسن بضم العين «عضُد » ، وقرأ عيسى بن عمر بفتح العين والضاد ، و «السلطان » ، الحجة ، وقوله { بآياتنا } يحتمل أن تتعلق الباء بقوله { ونجعل لكما } أو ب { يصلون } وتكون باء السبب ، ويحتمل أن تتعلق بقوله { الغالبون } أي تغلبون بآياتنا{[9147]} ، والآيات هي معجزاته عليه السلام .


[9147]:قال ذلك الأخفش والطبري، وقال المهدوي: "وفي هذا تقديم الصلة على الموصول" إلا أن يقدر: أنتما غالبان بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون.