التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما سيحل بالمجرمين يوم القيامة من عذاب عنيف مهين يناسب إجرامهم وكفرهم فقال : { وَتَرَى المجرمين يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد . سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وتغشى وُجُوهَهُمْ النار }

وقوله { مقرنين } جمع مقرن ، وهو من جمع فى قرن ووثاق واحد يربطان به .

والأصفاد : جمع صفد - بفتح الفاء - وهو القيد الذى يوضع فى الرجل ، أو الغل - بضم الغين - الذى تضم به اليد والرجل إلى العنق .

والسرابيل : جمع سربال وهو القميص .

والقطران : مادة حارة نتنة شديدة الاشتعال تصلى بها جولد الإِبل الجربى ، ليزول الجرب منها . أى : وترى - أيها العاقل - المجرمين فى هذا اليوم العسير عليهم { مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد } أى : قد قرن بعضهم مع بعض ، وضم كل قرين إلى من يشبهه فى الكفر وفى الفسوق وفى العصيان ، وقد قيدوا جميعا بالأصفاد واليقود والأغلال .

قال - تعالى - { احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ . . } أى : وأمثالهم من العصاة ، فعابد الصنم يكون مع عابد الصنم ، وشارب الخمر مع شارب الخمر . ويصح أن يكون اقترانهم مع الشياطين كما قال - تعالى - { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ والشياطين ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } هذا عن مشهد المجرمين وهم مقرنون فى الأصفاد ، وهو مشهد مهين مذل ولكنه ليس كافيا .

فى عقابهم ، بل يضاف إليه أن ملابسهم من قطران ، ليجتمع لهم لذعته ، وقبح لونه ، ونتن ريحه ، وسرعة اشتعاله ، وفوق كل ذلك فإن وجوههم تعلوها وتحيط بها النار التى تستعر بأجسادهم المسربلة بالقطران .

وخص - سبحانه الوجوه بغشيان النار لهاه ، لكونها أعز موضع فى البدن وأشرفه

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

28

ويضاف إلى قرنهم في الوثاق أن سرابيلهم وثيابهم من مادة شديدة القابلية للالتهاب ، وهي في ذات الوقت قذرة سوداء . . ( من قطران ) . . ففيها الذل والتحقير ، وفيها الإيحاء بشدة الاشتعال بمجرد قربهم من النار !

( وتغشى وجوههم النار ) . .

فهو مشهد العذاب المذل المتلظي المشتعل جزاء المكر والاستكبار . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

وقوله : { سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ } أي : ثيابهم التي يلبسونها عليهم من قطران ، وهو الذي تُهنأ به الإبل ، أي : تطلى ، قاله قتادة . وهو ألصق شيء بالنار .

ويقال فيه : " قَطِران " ، بفتح القاف وكسر الطاء ، وبفتح القاف وتسكين الطاء ، وبكسر القاف وتسكين الطاء ، ومنه قول أبي النجم :

كأنّ قِطْرانًا إذَا تَلاهَا *** تَرْمي{[16048]} به الرّيح إلى مَجْراها{[16049]} وكان ابن عباس يقول : القَطران هو : النحاس المذاب ، وربما قرأها : " سَرَابيلهم من قَطِران " أي : من نحاس حار قد انتهى حره . وكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جُبَير ، والحسن ، وقتادة .

وقوله : { وَتَغْشَى{[16050]} وُجُوهَهُمُ النَّارُ } كقوله : { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } [ المؤمنون : 104 ] .

وقال الإمام أحمد ، رحمه الله : حدثنا يحيى بن إسحاق ، أنبأنا أبان بن يزيد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن زيد ، عن أبي سلام ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع من أمر الجاهلية لا يُتْرَكن{[16051]} الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة ، والنائحة{[16052]} إذا لم تتب قبل موتها ، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرْع من جَرَب " . انفرد بإخراجه مسلم{[16053]} .

وفي حديث القاسم ، عن أبي أمامة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " النائحة إذا لم تتب ، توقف في طريق{[16054]} بين الجنة والنار ، وسرابيلها من قطران ، وتغشى وجهها النار " {[16055]} .


[16048]:- في ت : "يرمى".
[16049]:- البيت في تفسير الطبري (13/167).
[16050]:- في ت : "ويغشى".
[16051]:- في ت : "لا بد لهن" ، وفي أ : "لا يزكهن".
[16052]:- في أ : "والنابحة".
[16053]:- المسند (5/342) وصحيح مسلم برقم (934).
[16054]:- في ت : "الطريق".
[16055]:- رواه الطبراني في المعجم الكبير (8/238) من طريق عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، وكلهم ضعفاء - عن أبي أمامة به. وقد قال ابن حبان : "إذا جاء الحديث من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، فهو مما صنعته أيديهم".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

{ سرابيلهم } قمصانهم . { من قطِران } وجاء قطران لغتين فيه ، وهو ما يتحلب من الأبهل فيطبخ فتهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بحدته ، وهو أسود منتن تشتعل فيه النار بسرعة تطلى به جلود أهل النار حتى يكون طلاؤه لهم كالقمص ، ليجتمع عليهم لذع القطران ووحشة لونه ونتن ريحه مع إسراع النار في جلودهم ، على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين ، ويحتمل أن يكون تمثيلا لما يحيط بجوهر النفس من الملكات الرديئة والهيئات الوحشية فيجلب إليها أنواعا من الغموم والآلام ، وعن يعقوب " قطرآن " والقطر النحاس أو الصفر المذاب والآني المتناهي حره ، والجملة حال ثانية أو حال من الضمير في { مقرنين } . { وتغشى وجوههم النار } وتتغشاها لأنهم لم يتوجهوا بها إلى الحق ولم يستعملوا في تدبره مشاعرهم وحواسهم التي خلقت فيها لأجله ، كما تطلع على أفئدتهم لأنها فارغة عن المعرفة مملوءة بالجهالات ونظيره قوله تعالى : { أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة } وقوله تعالى : { يوم يسحبون في النار على وجوههم } .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{سرابيلهم من قطران}، يعني قُمُصُهم من نحاس ذائب، {وتغشى وجوههم النار} لأنهم يتقون النار بوجوههم...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطرَانٍ" يقول: قمصهم التي يلبسونها، واحدها: سربال..."مِنْ قَطِرَانٍ": يقول: من القطران الذي يهنأ به الإبل... قال ابن عباس: مِنْ قَطِرَانٍ: نحاس... وقد رُوي عن بعض المتقدمين أنه كان يقرأ ذلك: «مِنْ قَطْرٍ آنٍ» بفتح القاف وتسكين الطاء وتنوين الراء وتصيير «آن» من نعِته، وتوجيه معنى «القَطر» إلى أنه النحاس ومعنى «الآن» إلى أنه الذي قد انتهى حرّه في الشدّة..

"وتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النّارُ" يقول: وتلفَحُ وجوههم النار فتحرقها...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

... {سرابيلهم مِن قطرانٍ}... ذكر هذه المواعيد والشدائد وأنواع ما يعذبون [به] في الآخرة، ونعيمها على ألسن من قد ظهر صدقهم بالآيات والحجج ليحذر ما أوعدوا، ويرغبون فيما رغبوا لئلا يكون لهم الاحتجاج يومئذ كقوله: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} (النساء: 165) وقوله: {ليهلك من هلك عن بينة} الآية [الأنفال: 42] ونحوه والله أعلم.

وقوله تعالى: {وتغشى وجوههم النار} لأن أيديهم مغلولة إلى أعناقهم، فلا يقدرون أن يتقوا النار بأيديهم. ذكر هذا لأن في الشاهد من أصاب وجهه أذى يتقي منه بيده، فيخبر أنهم إنما يتقون ذلك بوجوههم، والله أعلم.

وإنما جعلت سرابيلهم من قطران لإسراع النار إليها...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

القطران... هو ما يتحلب من شجر يسمى الأبهل فيطبخ، فتهنأ به الإبل الجربى، فيحرق الجرب بحرّه وحدّته، والجلد، وقد تبلغ حرارته الجوف، ومن شأنه أن يسرع في اشتغال النار، وقد يستسرج به، وهو أسود اللون منتن الريح، فتطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل وهي القمص، لتجتمع عليهم الأربع: لذع القطران وحرقته، وإسراع النار في جلودهم، واللون الوحش، ونتن الريح. على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين، وكل ما وعده الله أو وعد به في الآخرة، فبينه وبين ما نشاهد من جنسه ما لا يقادر قدره، وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامي والمسميات ثمة، فبكرمه الواسع نعوذ من سخطه، ونسأله التوفيق فيما ينجينا من عذابه...

{وتغشى وُجُوهَهُمْ النار} كقوله تعالى: {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوء العذاب} [الزمر: 24]، {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النار على وُجُوهِهِمْ} [القمر: 48] لأن الوجه أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه، كالقلب في باطنه، ولذلك قال: {تَطَّلِعُ عَلَى الافئدة} [الهمزة: 7]...

زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :

وقال الزجاج: السربال: كل ما لبس...

لو أراد الله تعالى المبالغة في إحراقهم بغير ذلك لقدر، ولكنه حذرهم ما يعرفون حقيقته...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

...لما كان هذا اللباس مع نتنه وفظاعته شديد الانفعال بالنار، بين أنه يسلطها عليهم فقال: {وتغشى} ولما كان الوجه أشرف ما في الحيوان، فإهانته إهانة عظيمة لصاحبه، ذكره وقدمه تعجيلاً لإفهام الإهانة فقال: {وجوههم النار} أي تعلوها باشتعالها، فعلم أنه يلزم من غشيانها لها اضطرامها فيما ضمخ بالقطران من باب الأولى؛ ...

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

{سرابيلهم من قطران} تشبيه لهم بأكره ما يوجد منظرا عند العرب. وهو الإبل الجربى التي تطلى بالقطران. وإعلام بأن لهم أعظم ما ينال الجلد داء وهو تقرحه بالجرب. وأخبث ما يكون دواء لقبحه لونا وريحا، وهو القطران، فإنه أسود منتن الريح...