التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (92)

ثم يعقب القرآن على مصرعهم بالرد على قولتهم : إن من يتبع شعيبا خاسر ، فيقرر على سبيل التهكم أن الخسران لم يكن من نصيب من اتبع شعيبا ، وإنما الخسران كان من نصيب الذين خالفوه وكذبوه ، فيقول : { الذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الخاسرين } .

أى : الذين كذبوا شعيبا وتطاولوا عليه وهددوه وأتباعه بالاخراج من قريتهم ، كأنهم عندما حاقت بهم العقوبة لم يقيموا في ديارهم ناعمى البال ، يظلهم العيش الرغيد ، والغنى الظاهر .

يقال : غنى بالمكان يغنى ، أقامبه وعاش فيه في نعمة ورغد .

والجلمة الكريمة استئناف لبيان ابتلائهم بشؤم قولهم : { لَنُخْرِجَنَّكَ ياشعيب والذين آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ } فكأن سائلا ، قال : فكيف كان مصيرهم ؟ فكان الجواب : الذين هددوا شعيبا ومن معه وأنذروهم بالاخراج كانت عاقبتهم أن هلكوا وحرموا من قريتهم حتى لكأنهم لم يقيموا بها ، ولم يعيشوا بالاخراج كانت عاقبتهم أن هلكوا وحرموا من قريتهم حتى لكأنهم لم يقيموا بها ، ولم يعيشوا فيها مطلقا ، لأنه متى انقضى الشىء صار كأنه لم يكن .

والاسم الموصول { الذين } مبتدأ ، وخبره جملة { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا } .

ثم أعاد القرآن الموصول وصلته لزيادة التقرير ، وللإيذان بأن ما ذكر في حيز الصلة هو الذي استوجب العقوبتين فقال : { الذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الخاسرين } .

أى : الذين كذبوا شعيبا وكفروا بدعوته كانوا هم الخاسرين دينيا ودنيويا ، وليس الذين اتبعوه كما زعم أولئك المهلكون .

وبهذا القدر اكتفى القرآن عن التصريح بإنجائه هنا ، وقد صرح بإنجائه في سورة هود فقال : { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً والذين آمَنُواْ مَعَهُ } قال صاحب الكشاف : وفى هذا الاستئناف والابتداء ، وهذا التكرير ، مبالغة في رد مقالة الملأ لأشياعهم ، وتسفيه لرأيهم ، واستهزاء بنصحهم لقومهم واستعظام لما جرى عليهم

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (92)

59

ويرد السياق على قولتهم : ( لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون ) . . وهي التي قالوها مهددين متوعدين للمؤمنين بالخسارة ! فيقرر - في تهكم واضح - أن الخسران لم يكن من نصيب الذين اتبعوا شعيباً ، إنما كان من نصيب قوم آخرين :

( الذين كذبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها . الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين )

ففي ومضة ها نحن أولاء نراهم في دارهم جاثمين . لا حياة ولا حراك . كأن لم يعمروا هذه الدار ، وكأن لم يكن لهم فيها آثار !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (92)

ثم قال تعالى : { كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا } أي : كأنهم لما أصابتهم النقمة لم يقيموا بديارهم التي أرادوا إجلاء الرسول وصحبه منها .

ثم قال مقابلا لقيلهم : { الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ }

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (92)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها}، يعني كأن لم يكونوا فيها قط، {الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فأهلك الذين كذّبوا شعيبا فلم يؤمنوا به، فأبادهم، فصارت قريتهم منهم خاوية خلاء "كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها "يقول: كأن لم ينزلوا قطّ، ولم يعيشوا بها حين هلكوا، يقال: غَنِيَ فلان بمكان كذا... إذا نزل به وكان به...كأن لم ينعموا...

وقوله: "الّذِينَ كَذّبُوا شُعَيْبا كانُوا هُمُ الخاسِرِينَ" يقول تعالى ذكره: لم يكن الذين اتبعوا شعيبا الخاسرين، بل الذين كذبوه كانوا هم الخاسرين الهالكين، لأنه أخبر عنهم جلّ ثناؤه أن الذين كذّبوا شعيبا قالوا للذين أرادوا اتباعه: «لَئِنِ اتّبَعْتُمْ شُعَيْبا إنّكُمْ إذًا لخَاسِرُونَ» فكذّبهم الله بما أحلّ بهم من عاجل نكاله، ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ما خسر تُبّاع شعيب، بل كان الذين كذّبوا شعيبا لما جاءت عقوبة الله هم الخاسرين دون الذين صدّقوا وآمنوا به.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا} كانت لهم غلبتهم في وقتهم، ولكن لما اندرست أيامُهم سَقَطَ صِيتُهم، وخمد ذكرهم، وانقشع سحابُ مَنْ تَوَهَّم أنَّ منهم شيئاً.

قوله جلّ ذكره: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الخَاسِرِينَ}. الحقُّ غالِبٌ في كل أمر، والباطل زاهق بكل وصف، وإذا كانت العِزَّةُ نعتَ مَنْ هو أزليُّ الوجود، وكان الجلال حقَّ مَنْ هو المَلِك فأي أثر للكثرة مع القدرة؟ وأي خطر للعلل مع الأزل؟

معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :

قوله تعالى: {الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها}، أي: لم يقيموا ولم ينزلوا فيها، من قولهم: غنيت بالمكان إذا أقمت به، والمغاني المنازل، واحدها مغنى، وقيل: كأن لم يتنعموا فيها.

قوله تعالى: {الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين}، لا المؤمنين كما زعموا.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} وكذلك {كَانُواْ هُمُ الخاسرين} وفي هذا الابتداء معنى الاختصاص، كأنه قيل: الذين كذبوا شعيباً هم المخصوصون بأن أهلكوا واستؤصلوا، كأن لم يقيموا في دارهم؛ لأنّ الذين اتبعوا شعيباً قد أنجاهم الله، الذين كذبوا شعيباً هم المخصوصون بالخسران العظيم، دون أتباعه فإنهم الرابحون.

وفي هذا الاستئناف والابتداء وهذا التكرير: مبالغة في ردّ مقالة الملإ لأشياعهم، وتسفيه لرأيهم، واستهزاء بنصحهم لقومهم واستعظام لما جرى عليهم...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

... وقوله: {كأن لم يغنوا فيها} لفظ فيه للإخبار عن قوة هلاكهم ونزول النقمة بهم والتنبيه على العبرة بهم..

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

في قوله: {كأن لم يغنوا فيها} قولان: أحدهما: يقال غني القوم في دارهم إذا طال مقامهم فيها. والثاني: المنازل التي كان بها أهلوها واحدها مغني. قال الزجاج: كأن لم يغنوا فيها: كأن لم يعيشوا فيها مستغنين.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

.. والآية بيان مستأنف من قبل الله عز وجل ناقض لقول الملأ من قوم شعيب لقومهم {لئن اتّبعتم شعيبا إنّكم إذا لخاسرون} وقولهم قبله {لنخرجنّك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا} كأن سائلا يسأل عنهم باعتبار كل من الحالين كيف انتهى الأمر فيها وكيف كان عاقبة أهلها؟ فأجيب عن الأول بقوله: الذين كذبوا شعيبا وهددوه وأنذروه الإخراج من قريتهم قد هلكوا وهلكت قريتهم فحرموها كأن لم يقيموا ولم يعيشوا فيها مطلقا أو في ذلك العيش الرغيد، والأمد المديد، فمتى انقضى الشيء صار كأنه لم يكن.

وأجيب عن الثاني بقوله: الذين كذبوا شعيبا وزعموا أن من يتبعه يكون خاسرا وأكدوا زعمهم بأقوى المؤكدات كانوا هم الخاسرين لما يعتزون به من تقاليد ملتهم، ومن مالهم ووطنهم، ولما كانوا موعودين به من سعادة الدنيا والآخرة لو آمنوا – دون الذين اتبعوه فإنهم كانوا هم الفائزين المفلحين، فالجملة تفيد حصر الخسار في المكذبين له بالنص، وتقتضي نفيه عن المتبعين له بالأولى، ومناسبة الجزاء للذنب بجعل الحرص على التمتع بالوطن والاستبداد فيه على أهل الحق سببا للحرمان الأبدي منه، وجعل الحرص على الربح بأكل أموال الناس بالباطل سببا للخسران بالحرمان منه ومن غيره.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

قال تعالى ناعيا حالهم {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أي: كأنهم ما أقاموا في ديارهم، وكأنهم ما تمتعوا في عرصاتها، ولا تفيئوا في ظلالها، ولا غنوا في مسارح أنهارها، ولا أكلوا من ثمار أشجارها، حين فاجأهم العذاب، فنقلهم من مورد اللهو واللعب واللذات، إلى مستقر الحزن والشقاء والعقاب والدركات ولهذا قال: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ} أي: الخسار محصور فيهم، لأنهم خسروا دينهم وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين، لا من قالوا لهم: {لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ}...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

... ومعنى: {كأن لم يَغنَوا فيها}.. وهذا إنما يُعنى به انمحاء آثارهم كما قال: {فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس} [يونس: 24]، وهو يرجح أن يكون أصابهم زلزال مع الصواعق بحيث احترقت أجسادهم وخُسف لهم في الأرض وانقلبت ديارهم في باطن الأرض ولم يبق شيء أو بقي شيء قليل. فهذا هو وجه التشبيه، وليس وجه التشبيه حالة موتهم لأن ذلك حاصل في كل ميت ولا يختص بأمثال مدين، وهذا مثل قوله تعالى: {فهل ترى لهم من باقية} [الحاقة: 8].

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وذهب تعالى بهم كافرين، وكأنهم لم يكونوا فيها، ولم يقيموا بأرضها؛ ولذا قال تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ} لم يغنوا أي كأن لم يكونوا مقيمين فيها، فقد قطع دابر القوم الظالمين، وذلك بسبب تكذيبهم لشعيب وصدهم عن سبيل الله، وإن الله تعالى غالب على كل شيء.

لقد تهدد الكافرون المتغطرسون المؤمنين بأن يكونوا خاسرين إن استمروا على اتباعهم، لشعيب، فذكر – سبحانه وتعالى – أن أولئك المكذبين هم الخاسرون حقا وصدقا، فقد خسروا أنفسهم فكفروا وضلوا، وخسروا ديارهم فهدمت، وخسروا يوم القيامة، فكانوا حطب جهنم، وهم فيها خالدون.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ويتابع سبحانه وصف ما حدث لهم إثر الرجفة: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ}.

وغنى بالمكان: أقام به؛ فحين صاروا جاثمين وخلت منهم الديار، كأنهم لم تكن لهم إقامة إذ استؤصلوا وأهلكوا إهلاكا كاملا، وإذا كان هؤلاء المكذبون قد قالوا: {لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} فيكون مآلهم هو ما ذكره ربنا بقوله: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ}

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

في الآية اللاحقة شرح القرآن الكريم أبعاد هذا الزلزال العجيب المخيف الرهيب بالعبارة التالية: (الذين كذبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها). أي أنّ الذين كذبوا شعيباً أُبيدوا إبادة عجيبة، وكأنّهم لم يكونوا يسكنون تلك الديار.

وفي ختام الآية يقول: (الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين).

وكأنّ هاتين الجملتين جواباً لأقوال معارضي شعيب، لأنّهم كانوا قد هدّدوا بأن يخرجوه هو وأتباعه في حالة عدم انصرافهم من دين التوحيد إلى الدين السابق، فقال القرآن: إنّهم أُبيدوا كاملة، وكأنّهم لم يسكنوا في تلك المنازل، فضلا عن أن يستطيعوا إخراج غيرهم من البلد.

وفي مقابل قولهم: إنّ أتباع شعيب يستلزم الخسران، قال القرآن الكريم: إنّ نتيجة الأمر أثبتت أنّ مخالفة شعيب هي العامل الأصلي في الخسران.