التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يَكُونُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَۘ يُضَٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُواْ يَسۡتَطِيعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُواْ يُبۡصِرُونَ} (20)

ثم بين - سبحانه - أنه كان قادرا على تعذيبهم فى الدنيا قبل الآخرة ولكنه أخر عذابهم إملاء لهم فقال : { أولئك لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب . . . } .

وقوله : معجزين من الإِعجاز بمعنى عدم المقدرة على الشئ .

أى : أولئك الذين افتروا على الله الكذب لم يكن - سبحانه - عاجزا عن إنزال العذاب الشديد بهم فى الدنيا . وما كان لهم من غيره من نصراء ينصرونهم من بأسه لو أراد إهلاكهم .

قال الإِمام الرازى : قال الواحدى : معنى الإِعجاز المنع من تحصيل المراد ، يقال أعجزنى فلان . أى : منعنى عن مرادى . .

والمقصود أن قوله { أولئك لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض } دل على أنه لا قدرة لهم على الفرار .

وقوله : { وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ } دل على أن أحدا لا يقدر على تخليصهم من عذابه .

فجمع - سبحانه - بين ما يرجع إليهم وبين ما يرجع إلى غيرهم ، ووضح بذلك انقطاع حيلهم فى الخلاص من عذاب الدنيا والآخرة .

وقوله : { يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب } جملة مستأنفة لبيان أن من حكمة تأخير العذاب عنهم فى الدنيا مضاعفة العذاب لهم فى الآخرة .

وقوله : { مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } تصوير بليغ لاستحواذ الشيطان عليهم .

أى أن هؤلاء المجرمين بلغ بهم الجهل والعناد والجحود أنهم ما كانوا يستطيعون السماع للحق الذى جاءهم من ربهم لثقله على نفوسهم الفاسدة ، وما كانوا يبصرون المعجزات الدالة على صدق نبيهم - صلى الله عليه وسلم - .

فليس المراد نفى السماع والإِبصار الحسيين عنهم وإنما المراد أنهم لا نطماس بصائرهم صاروا كمن لا يسمع ولا يرى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يَكُونُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَۘ يُضَٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُواْ يَسۡتَطِيعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُواْ يُبۡصِرُونَ} (20)

1

( أولئك ) . .

البعداء المبعدون الملعونون .

( لم يكونوا معجزين في الأرض ) . .

فلم يكن أمرهم معجزا لله ، ولو شاء لأخذهم بالعذاب في الدنيا . .

( وما كان لهم من دون الله من أولياء ) . .

ينصرونهم أو يمنعونهم من الله . إنما تركهم لعذاب الآخرة ، ليستوفوا عذاب الدنيا وعذاب الآخرة :

( يضاعف لهم العذاب ) . .

فقد عاشوا معطلي المدارك مغلقي البصائر ؛ كأن لم يكن لهم سمع ولا بصر :

( ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يَكُونُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَۘ يُضَٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُواْ يَسۡتَطِيعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُواْ يُبۡصِرُونَ} (20)

{ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ } أي : بل كانوا تحت قهره وغلبته ، وفي قبضته وسلطانه ، وهو قادر على الانتقام منهم في الدار الدنيا قبل الآخرة ، ولكن { يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ } [ إبراهيم : 42 ] ، وفي الصحيحين : " إن الله ليُملي للظالم ، حتى إذا أخذَه لم يُفْلته " ؛{[14547]} ولهذا قال تعالى : { يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } أي : يضاعف عليهم العذاب ، وذلك لأن الله تعالى جعل لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ، فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم [ من شيء ]{[14548]} ، بل كانوا صُمَّا عن سماع الحق ، عُميا عن اتباعه ، كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النار : { وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [ الملك : 10 ] ، وقال تعالى : { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ } [ النحل : 88 ] ؛ ولهذا يعذبون على كل أمر تركوه ، وعلى كل نهي ارتكبوه ؛ ولهذا كان أصحَّ الأقوال أنهم مكلفون بفروع الشرائع أمرها ونهيها بالنسبة إلى الدار الآخرة .


[14547]:- صحيح البخاري برقم "4086" وصحيح مسلم برقم "2583" من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
[14548]:- زيادة من أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يَكُونُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَۘ يُضَٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُواْ يَسۡتَطِيعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُواْ يُبۡصِرُونَ} (20)

القول في تأويل قوله تعالى : { أُولََئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } .

يعني جلّ ذكره بقوبه : أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ هؤلاء الذين وصف جلّ ثناؤه أنهم يصدّون عن سبيل الله ، يقول جلّ ثناؤه : إنهم لم يكونوا بالذين يُعْجزون ربهم بهربهم منه في الأرض إذا أراد عقابهم والانتقام منهم ، ولكنهم في قَبضته ومِلْكه ، لا يمتنعون منه إذا أرادهم ولا يفوتونه هربا إذا طلبهم . وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أوْلِياءَ يقول : ولم يكن لهؤلاء المشركين إذا أراد عقابهم من دون الله أنصار ينصرونهم من الله ويحولون بينهم وبينه إذا هو عذّبهم ، وقد كانت لهم في الدنيا مَنَعة يمتنعون بها ممن أرادهم من الناس بسوء .

وقوله : يُضَاعَفُ لَهُمُ العَذَابُ يقول تعالى ذكره : يزاد في عذابهم ، فيجعل لهم مكان الواحد اثنان .

وقوله : ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ فإنه اختلف في تأويله ، فقال بعضهم : ذلك وصف الله به هؤلاء المشركين أنه قد ختم على سمعهم وأبصارهم ، وأنهم لا يسمعون الحقّ ، ولا يبصرون حُجَج الله سماع منتفع ولا إبصار مهتد . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ صمّ عن الحقّ فما يسمعونه ، بكم فما ينطقون به ، عُمْي فلا يبصرونه ، ولا ينتفعون به .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ قال : ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خبرا فينتفعوا به ، ولا يبصروا خيرا فيأخذوا به .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قال : أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والاَخرة . أما في الدنيا فإنه قال : ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمْعَ وهي طاعته ، وَما كانُوا يُبْصِرُونَ . وأما في الاَخرة فإنه قال : فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً .

وقال آخرون : إنما عَني بقوله : وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أوْلِياءِ آلهة الذين يصدّون عن سبيل الله . وقالوا : معنى الكلام : أولئك وآلهتهم لم يكونوا معجزين في الأرض ، يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ يعني الاَلهة أنها لم يكن لها سمع ولا بصر . هذا قول رُوي عن ابن عباس من وجه كرهت ذكره لضعف سنده .

وقال آخرون : معنى ذلك : يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يسمعونه ، وبما كانوا يبصرون ولا يتأملون حجج الله بأعينهم فيعتبروا بها . قالوا : والباء كان ينبغي لها أن تدخل ، لأنه قد قال : فَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ بِمَا كانُوا يَكْذِبُونَ بكذبهم في غير موضع من التنزيل أدخلت فيه الباء ، وسقوطها جائز في الكلام كقولك في الكلام : لاحن بما فيك ما علمت وبما علمت ، وهذا قول قاله بعض أهل العربية .

والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله ابن عباس وقتادة ، من أن الله وصفهم تعالى ذكره بأنهم لا يستطيعون أن يسمعوا الحقّ سماع منتفع ، ولا يبصرونه إبصار مهتد ، لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمين ، عن استعمال جوارحهم في طاعة الله ، وقد كانت لهم أسماع وأبصار .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يَكُونُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَۘ يُضَٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُواْ يَسۡتَطِيعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُواْ يُبۡصِرُونَ} (20)

{ أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض } أي ما كانوا معجزين الله في الدنيا أن يعاقبهم . { وما كان لهم من دون الله من أولياء } يمنعونهم من العقاب ولكنه أخر عقابهم إلى هذا اليوم ليكون اشد وأدوم . { يُضاعف لهم العذاب } استئناف وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب " يُضَّعْفَ " بالتشديد . { ما كانوا يستطيعون السّمع } لتصامهم عن الحق وبغضهم له . { وما كانوا يُبصِرون } لتعاميهم عن آيات الله ، وكأنه العلة لمضاعفة العذاب . وقيل هو بيان ما نفاه من ولاية الآلهة بقوله : { وما كان لهم من دون الله من أولياء } فإن ما لا يسمع ولا يبصر لا يصلح للولاية وقوله : { يضاعف لهم العذاب } اعتراض .