التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ} (55)

ثم ختم - سبحانه الآيات الكريمة بأمر النبى صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى أعدائه . فقال : { فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ . . } .

أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم - من أننا سننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا { وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد . . } فاصبر على ما أصابك من أعدائك ، فإن ما وعدك الله - تعالى - به من النصر ثابت لا شك فيه ، وحق لا باطل معه .

{ واستغفر لِذَنبِكَ } فإن استغفارك هذا وأنت المصعوم من كل ما يغضبنا - يجعل أمتك تقتدى بك فى ذلك ، وتسير على نهجك فى الإكثار من فعل الطاعات .

{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعشي والإبكار } أى : وبجانب استغفارك من الذنوب ، أكثر من تسبيح ربك ومن تنزيهه عن كل مالا يليق به عند حلول الليل ، وعند تباكير الصباح ، فإن هذا الاستغفار ، وذلك التسبيح ، خير زاد للوصول إلى السعادة والفوز فى الدنيا والآخرة .

قال الإمام الرازى ما ملخصه : واعلم أن مجامع الطاعات محصورة فى قسمين : التوبة عما لا ينبغى ، والاشتغال بما ينبغى ، والأول مقدم على الثانى بحسب الرتبة الذاتية . فوجب أن يكون مقدما عليه فى الذكر . .

أما التوبة عما لا ينبغى ، فنراها فى قوله - تعالى - : { واستغفر لِذَنبِكَ } .

وأما الاشتغال بما ينبغى ، فنراه فى قوله - تعالى - { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعشي والإبكار } .

والتسبيح عبارة عن تنزيه الله - تعالى - عن كل ما لا يليق به ، والعشى والإبكار ، قيل صلاة العصر وصلاة الفجر . وقيل : الإِبكار عبارة عن أول النهار إلى النصف . والعشى عبارة عن النصف إلى آخر النهار ، فيدخل فيه كل الأوقات ، وبالجملة فالمراد منه المواظبة على ذكر الله . وأن لا يفتر اللسان عنه . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ} (55)

21

وهنا يجيء الإيقاع الأخير في هذا المقطع ، توجيهاً لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ومن كانوا معه من المؤمنين في مكة في موقف الشدة والمعاناة . ولكل من يأتي بعدهم من أمته ، ويواجهون مثل الموقف الذي كانوا فيه :

( فاصبر . إن وعد الله حق . واستغفر لذنبك ، وسبح بحمد ربك ، بالعشي والإبكار ) . .

الإيقاع الأخير . . الدعوة إلى الصبر . . الصبر على التكذيب . والصبر على الأذى . والصبر على نفخة الباطل وانتشائه بالغلبة والسلطان في فترة من الزمان . والصبر على طباع الناس وأخلاقهم وتصرفاتهم من هنا ومن هناك . والصبر على النفس وميولها وقلقها وتطلعها ورغبتها في النصر القريب وما يتعلق به من رغائب وآمال . والصبر على أشياء كثيرة في الطريق قد تجيء من جانب الأصدقاء قبل أن تجيء من جانب الأعداء !

( فاصبر . إن وعد الله حق ) . . مهما يطل الأمد ، ومهما تتعقد الأمور ، ومهما تتقلب الأسباب . إنه وعد من يملك التحقيق ، ومن وعد لأنه أراد .

وفي الطريق ، خذ زاد الطريق :

( واستغفر لذنبك ، وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ) . .

هذا هو الزاد ، في طريق الصبر الطويل الشاق . استغفار للذنب ، وتسبيح بحمد الرب . والاستغفار المصحوب بالتسبيح وشيك أن يجاب ، وهو في ذاته تربية للنفس وإعداد . وتطهير للقلب وزكاة . وهذه هي صورة النصر التي تتم في القلب ، فتعقبها الصورة الأخرى في واقع الحياة .

واختيار العشي والإبكار . إما كناية عن الوقت كله - فهذان طرفاه - وإما لأنهما آنان يصفو فيهما القلب ، ويتسع المجال للتدبر والسياحة مع ذكر الله .

هذا هو المنهج الذي اختاره الله لتوفير عدة الطريق إلى النصر وتهيئة الزاد . ولا بد لكل معركة من عدة ومن زاد . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ} (55)

وقوله : { فَاصْبِرْ } أي : يا محمد ، { إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ } أي : وعدناك أنا سنعلي كلمتك ، ونجعل العاقبة لك ولمن اتبعك ، والله لا يخلف الميعاد . وهذا الذي أخبرناك به حق لا مرية فيه ولا شك .

وقوله : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } هذا تهييج للأمة على الاستغفار ، { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ } أي : في أواخر النهار وأوائل الليل ، { وَالإبْكَارِ } وهي أوائل النهار وأواخر الليل .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ} (55)

وقوله : فاصْبرْ إنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فاصبر يا محمد لأمر ربك ، وانفذ لما أرسلك به من الرسالة ، وبلّغ قومك ومن أُمرت بإبلاغه ما أنزل إليك ، وأيقن بحقيقة وعد الله الذي وعدك من نصرتك ، ونصرة من صدّقك وآمن بك ، على من كذّبك ، وأنكر ما جئته به من عند ربك ، وإن وعد الله حقّ لا خلف له وهو منجز له واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ يقول : وسله غفران ذنوبك وعفوه لك عنه وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ يقول : وصلّ بالشكر منك لربك بِالْعَشِيّ وذلك من زوال الشمس إلى الليل وَالإبْكَارِ وذلك من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس . وقد وجه قوم الإبكار إلى أنه من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى ، وخروج وقت الضحى ، والمعروف عند العرب القول الأوّل .

واختلف أهل العربية في وجه عطف الإبكار والباء غير حسن دخولها فيه على العشيّ ، والباء تحسن فيه ، فقال بعض نحويي البصرة : معنى ذلك : وسبح بحمد ربك بالعشيّ وفي الإبكار . وقال : قد يقال : بالدار زيد ، يراد : في الدار زيد ، وقال غيره : إنما قيل ذلك كذلك ، لأن معنى الكلام : صل بالحمد بهذين الوقتين وفي هذين الوقتين ، فإدخال الباء في واحد فيهما .