التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلۡوَزۡنُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (8)

ثم بين - سبحانه - مظاهر عدله مع عباده يوم القيامة فقال :

{ والوزن يَوْمَئِذٍ الحق فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فأولئك هُمُ المفلحون وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ } .

الوزن : عمل يعرف به قدر الشىء ، يقال : وزنته وزنا وزنة . وهو مبتدأ ، ويومئذ متعلق بمحذوف خبره . والحق صفته ، أى : والوزن الحق يوم القيامة .

ومعنى الآيتين الكريمتين : والوزن الحق ثابت في ذلك اليوم الذي يسأل الله فيه الرسل والمرسل إليهم . ويخبرهم جميعا بما كان منهم في الدنيا ، فمن رجحت موازين أعماله بالإيمان والعلم الصالح ، فأولئك هم الفائزون بالثواب والنعيم ،

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلۡوَزۡنُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (8)

( والوزن يومئذ الحق ) . .

إنه لا مجال هنا للمغالطة في الوزن ؛ ولا التلبيس في الحكم ؛ ولا الجدل الذي يذهب بصحة الأحكام والموازين . .

( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ) . .

فقد ثقلت في ميزان الله الذي يزن بالحق . وجزاؤها إذن هو الفلاح . . وأي فلاح بعد النجاة من النار ، والعودة إلى الجنة ، في نهاية الرحلة المديدة ، وفي ختام المطاف الطويل ؟

/خ25

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلۡوَزۡنُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (8)

يقول [ تبارك و ]{[11559]} تعالى : { وَالْوَزْن } أي : للأعمال{[11560]} يوم القيامة { الْحَق } أي : لا يظلم تعالى أحدا ، كما قال تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [ الأنبياء : 47 ] وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } [ النساء : 40 ] وقال تعالى : { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ } [ القارعة : 6 - 11 ] وقال تعالى : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } [ المؤمنون : 101 - 103 ] .

فصل :

والذي يوضع في الميزان يوم القيامة{[11561]} قيل : الأعمال وإن كانت أعراضًا ، إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساما .

قال البغوي : يروى هذا عن ابن عباس{[11562]} كما جاء في الصحيح من أن " البقرة " و " آل عمران " يأتيان{[11563]} يوم القيامة كأنهما غمامتان - أو : غيَايَتان - أو فِرْقَان من طير صَوَافّ . من ذلك في الصحيح قصة القرآن وأنه يأتي صاحبه في صورة شاب شاحب اللَّون ، فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا القرآن الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك{[11564]} وفي حديث البراء ، في قصة سؤال القبر : " فيأتي المؤمن شابٌّ حسن اللون طيّب الريح ، فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا عملك الصالح " {[11565]} وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق .

وقيل : يوزن كتاب الأعمال ، كما جاء في حديث البطاقة ، في الرجل الذي يؤتى به ويوضع له في كِفَّة تسعة وتسعون سجلا كل سِجِلّ مَدّ البصر ، ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها : " لا إله إلا الله " فيقول : يا رب ، وما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول الله تعالى : إنك لا تُظلَم . فتوضع تلك البطاقة في كفة الميزان . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فَطاشَت السجلات ، وثَقُلَتِ البطاقة " .

رواه الترمذي بنحو من هذا{[11566]} وصححه .

وقيل : يوزن صاحب العمل ، كما في الحديث : " يُؤتَى يوم القيامة بالرجل السَّمِين ، فلا يَزِن عند الله جَنَاح بَعُوضَة " {[11567]} ثم قرأ : { فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } [ الكهف : 105 ] .

وفي مناقب عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى عليه وسلم قال : " أتعجبون من دِقَّة ساقَيْهِ ، فوالذي{[11568]} نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أُحُدٍ " {[11569]}

وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحا ، فتارة{[11570]} توزن الأعمال ، وتارة توزن محالها ، وتارة يوزن فاعلها ، والله أعلم .


[11559]:زيادة من أ.
[11560]:في ك: "الأعمال".
[11561]:في ك: "يوم القيامة في الميزان".
[11562]:معالم التنزيل للبغوي (3/215).
[11563]:في أ: "تأتيان".
[11564]:ورواه أحمد في مسنده (5/348) وابن ماجه في السنن برقم (3781) من طريق بشير بن المهاجر، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة بن الحصيب، رضي الله عنه، مرفوعا
[11565]:رواه أحمد في مسنده (5/287).
[11566]:سنن الترمذي برقم (2639) ورواه ابن ماجة في السنن برقم (2639) والحاكم في المستدرك (1/529) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد على شرطهما ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي،
[11567]:رواه البخاري في صحيحه برقم (4729) بنحوه من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
[11568]:في د، م: "والذي".
[11569]:رواه أحمد في مسنده (1/420).
[11570]:في ك: "وتارة".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلۡوَزۡنُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .

الوزن : مصدر من قول القائل : وَزَنْت كذا وكذا ، أَزِنُه وَزْنا وزَنةً ، مثل : وَعَدْته أَعِدُه وَعْدا وعِدَةً ، وهو مرفوع بالحقّ ، والحقّ به . ومعنى الكلام : والوزن يوم نسأل الذين أُرسل إليهم والمرسلين ، الحقّ . ويعني بالحقّ : العدل . وكان مجاهد يقول : الوزن في هذا الموضع : القضاء .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : والوزن يومئذٍ : القضاء .

وكان يقول أيضا : معنى الحقّ ههنا : العدل . ذكر الرواية بذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن مجاهد : والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَق قال العدل .

وقال آخرون : معنى قوله : والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقّ وزن الأعمال . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقّ توزن الأعمال .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : وَالوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقّ قال : قال عبيد بن عمير : يؤتي بالرجل العظيم الطويل الأكول الشروب ، فلا يزن جناح بعوضة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَالوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقّ قال : قال عبيد بن عمير : يؤتي بالرجل الطويل العظيم ، فلا يزن جناح بعوضة .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا يوسف بن صهيب ، عن موسى ، عن بلال بن يحيى ، عن حذيفة ، قال : صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام ، قال : يا جبريل زن بينهم ، فرُدّ على المظلوم ، وإن لم يكن له حسنات حُمِل عليه من سيئات صاحبه فيرجع الرجل عليه مثل الجبال ، فذلك قوله : والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقّ .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فقال بعضهم : معناه : فمن كثرت حسناته . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن مجاهد : فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ قال : حسناته .

وقال آخرون : معنى ذلك : فمن ثقلت موازينه التي توزن بها حسناته وسيئاته ، قالوا : وذلك هو الميزان الذي يعرفه الناس ، له لسان وكفتان . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : قال لي عمرو بن دينار : قوله : والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقّ قال : إنا نرى ميزانا وكفتين ، سمعت عبيد بن عمير يقول : يجعل الرجل العظيم الطويل في الميزان ، ثم لا يقوم بجناح ذباب .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي القول الذي ذكرناه عن عمرو بن دينار من أن ذلك : هو الميزان المعروف الذي يوزن به ، وأن الله جلّ ثناؤه يزن أعمال خلقه الحسنات منها والسيئات ، كما قال جلّ ثناؤه : فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ موازين عمله الصالح ، فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ يقول : فأولئك هم الذين ظفروا بالنجاح وأدركوا الفوز بالطلبات ، والخلود والبقاء في الجنات ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلمبقوله : «ما وُضِعَ فِي المِيزَانِ شَيْءٌ أثْقَلَ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ » ، ونحو ذلك من الأخبار التي تحقق أن ذلك ميزان يوزن به الأعمال على ما وصفت . فإن أنكر ذلك جاهل بتوجيه معنى خبر الله عن الميزان وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم عن وجهته ، وقال : وكيف توزن الأعمال ، والأعمال ليست بأجسام توصف بالثقل والخفة ، وإنما توزن الأشياء ليعرف ثقلها من خفتها وكثرتها من قلتها ، وذلك لا يجوز إلا على الأشياء التي توصف بالثقل والخفة والكثرة والقلة ؟ اقيل له في قوله : «وما وجه وزن الله الأعمال وهو العالم بمقاديرها قبل كونها » : وَزْن ذلك نظير إثباته إياه في أمّ الكتاب ، واستنساخه ذلك في الكتاب من غير حاجة به إليه ومن غير خوف من نسيانه ، وهو العالم بكل ذلك في كل حال ووقت قبل كونه وبعد وجوده ، بل ليكون ذلك حجة على خلقه ، كما قال جلّ ثناؤه في تنزيله : كُلّ أُمّةٍ تُدْعَى إلى كِتابِها اليَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كَنْتُمْ تَعْمَلُونَ هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بالحَقّ . . . الاَية ، فكذلك وزنه تعالى أعمال خلقه بالميزان حجة عليهم ولهم ، إما بالتقصير في طاعته والتضييع وإما بالتكميل والتتميم . وأما وجه جواز ذلك ، فإنه كما :

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا جعفر بن عون ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن زياد الإفريقي ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : يؤتي بالرجل يوم القيامة إلى الميزن ، فيوضع في الكفة ، فيخرج له تسعة وتسعون سِجِلاّ فيها خطاياه وذنوبه . قال : ثم يخرج له كتاب مثل الأنملة ، فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم . قال : فتوضع في الكفة فترجح بخطاياه وذنوبه .

فكذلك وزن الله أعمال خلقه بأن يوضع العبد وكتب حسناته في كفة من كفتي الميزان ، وكتب سيئاته في الكفة الأخرى ، ويحدث الله تبارك وتعالى ثقلاً وخفة في الكفة التي الموزون بها أولى احتجاجا من الله بذلك على خلقه كفعله بكثير منهم من استنطاق أيديهم وأرجلهم ، استشهادا بذلك عليهم ، وما أشبه ذلك من حججه . ويسئل من أنكر ذلك ، فيقال له : إن الله أخبرنا تعالى ذكره أنه يثقل موازين قوم في القيامة ويخفف موازين آخرين ، وتظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحقيق ذلك ، فما الذي أوجب لك إنكار الميزان أن يكون هو الميزان الذي وصفنا صفته الذي يتعارفه الناس ؟ أحجة عقل ؟ فقد يقال : وجه صحته من جهة العقل ، وليس في موزن الله جلّ ثناؤه خلقه وكتب أعمالهم ، لتعريفهم أثقل القسمين منها بالميزان خروج من حكمة ، ولا دخول في جور في قضية ، فما الذي أحال ذلك عندك من حجة أو عقل أو خبر ؟ إذ كان لا سبيل إلى حقيقة القول بإفساد ما لا يدفعه العقل إلا من أحد الوجهين اللذين ذكرت ولا سبيل إلى ذلك . وفي عدم البرهان على صحة دعواه من هذين الوجهين وضوح فساد قوله وصحة ما قاله أهل الحقّ في ذلك . وليس هذا الموضع من مواضع الإكثار في هذا المعنى على من أنكر الميزان الذي وصفنا صفته ، إذ كان قصدنا في هذا الكتاب البيان عن تأويل القرآن دون غيره ، ولولا ذلك لقرنّا إلى ما ذكرنا نظائره ، وفي الذي ذكرنا من ذلك كفاية لمن وفّق لفهمه إن شاء الله .