الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱلۡوَزۡنُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (8)

قوله : { والوزن يومئذ الحق [ فمن ثقلت موازينه ]{[22972]} }[ 8 ] الآية .

والمعنى : ووزن{[22973]} الأعمال يومئذ الحق{[22974]} .

{ فمن ثقلت موازينه } .

أي : من كثرت حسناته . قاله مجاهد{[22975]} .

وقيل المعنى : فمن ثقلت موازين حسناته . وهو " ميزان " له لسان وكِفّتان ، كالذي يعرفه الناس{[22976]} .

قال عبيد بن عمير{[22977]} : يجعل الرجل العظيم الطويل/في الميزان ، فلا يزن بعوضة{[22978]} .

ووزن الأعمال في الميزان ، هو نظير إثبات الله إياها في أم الكتاب ، واستنساخه ذلك في الكتب{[22979]} من غير حاجة إلى ذلك ، وهو العالم بكل ذلك ، وإنما فعل ذلك تعالى ، ليكون{[22980]} حجة على خلقه ، فيحتج عليهم بما عاينوا وفهموا وعرفوا من ذنوبهم{[22981]} .

قال تعالى : { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون{[22982]} } ، فكذلك وزن أعمال العباد حجة عليهم ، ليعلموا التضييع الذي فعلوا ، أو يفهموه عن قرب على ما{[22983]} عملوا{[22984]} .

فأما وزن الأعمال وهي{[22985]}أعراض ، فإنما يحدث الله خفة في جانب السيئات وثقلا في جانب الحسنات ، على ما يشاء لمن أراد ، كل ذلك احتجاج{[22986]} منه على خلقه ، وتقريع لهم بما عملوا ، وهذا مثل استنطاق أيديهم وأرجلهم بما عملوا في الدنيا ، حجة منه عليهم ، وقد تظاهرت الأخبار بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم{[22987]} .


[22972]:زيادة من ج.
[22973]:في ج: المعنى وزن.
[22974]:انظر: جامع البيان 12/309. وفيه: "ويعني بـ:{الحق}، العدل".
[22975]:جامع البيان 12/311، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1441، وتفسير البيضاوي 3/215، والمحرر الوجيز 2/376، والدر المنثور3/417.
[22976]:جامع البيان 12/11، بتصرف يسير.
[22977]:هو: عبيد بن عمير، بالتصغير فيهما، بن قتادة الليثي، أبو عاصم المكي، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في قول مسلم، وعد من كبار التابعين عند غيره. مجمع على ثقته. مات قبل ابن عمر. تقريب التهذيب 1/544.
[22978]:جامع البيان 12/311، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1440، بألفاظ متقاربة. والأثر معضوض بما روى أبو هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة. وقال: اقرأوا {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} أخرجه البخاري في التفسير، باب: {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم} الكهف: آية[100]. فتح الباري 9/351. وينظر: اختلافهم في كيفية الوزن في تفسير الماوردي 2/201، وتفسير البيضاوي 3/215، وتفسير الخازن 2/73، وتفسير ابن كثير 2/202، وفتح القدير 2/190.
[22979]:في الأصل، كرر: في الكتاب، مرتين. وكتب بمرسوم خط المصحف على الإفراد.
[22980]:في ج: لتكون، ولفظ الأصل، ورد في جامع البيان 12/312.
[22981]:في الأصل: من ذنونهم، وهو تصحيف.
[22982]:الجاثية: 28.
[22983]:في الأصل: عقلوا، وأثبت ما في ج، وأحسبه هو الصحيح.
[22984]:جامع البيان 12/213 بتصرف.
[22985]:العرض: هو ما يتميز به الشيء عن الشيء، لا في ذاته كالبياض والسواد والحرارة والبرودة ونحو ذلك. مفاتيح العلوم137 وهذه الفقرة، والتي قبلها وبعدها، تشي بخصام كلامي خفي، محوره: "الميزان" فالمعتزلة تنكره، بناء على أن الأعمال أعراض يستحيل وزنها، وتأولت "الوزن" و"الميزان" بالعدل. وأهل السنة والجماعة يؤمنون بالميزان من غير تأويل بناء على أدلة سمعية صريحة لا ترد بتأويل لا يستنير بنور الوحي، فالقول قولهم، ومذهبهم أسلم وأعلم وأحكم. ينظر: زاد المسير3/170، وتفسير القرطبي7/107، وشرح الطحاوية2/208-213، وفتح القدير2/190، وشرح العقيدة الواسطية148.
[22986]:في الأصل: احتاج وهو تحريف.
[22987]:جامع البيان 12/314، بتصرف. قال محمود شاكر، يرحمه الله، معقبا على كلام الطبري، الذي استحصله مكي هنا،: "هذه إحدى حجج أبي جعفر، التي تدل على لطف نظره ودقة حكمه، وصفاء بيانه، وقدرته على ضبط المعاني ضبطا لا يختل...".