الآيتان 8و9 وقوله تعالى : { والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون } { ومن خفّت موازينه فأولئك } كذا قال الحسن : يكون ميزان{[8088]} له كفّتان ، يوزن فيه الحسنات والسيئات { فمن ثقلت موازينه } دخل الجنة ، { ومن خفّت موازينه } دخل النار . وقال غيره من أهل التأويل : يريد بالموازين الحسنات والسيئات نفسها ؛ فمن رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة ، ومن رجحت سيئاته على حسناته دخل النار .
[ إلى هذا ]{[8089]} ذهب أكثر أهل التأويل . ولا يحتمل ما قالوا . أما قول الحسن : ميزان له كفّتان يوزن فيه الحسنات والسيئات فلا{[8090]} يحتمل ، لأنه قال { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون } إذا [ ثقلت إحدى الكفّتين ]{[8091]} خفّت الأخرى ، وإذا خفّت إحداهما ثقلت الأخرى . فكل واحد منهما ممّن{[8092]} تثقل موازينه ، وتخف ، وقد أخبر في الآية أن من { خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم } .
ولا يحتمل أيضا ما قال غيره من أهل التأويل : إنه أراد بالموازين الحسنات والسيئات ، لأن الآية في المؤمنين والكافرين ؛ فلا سيئة ترجح في المؤمن مع إيمانه ، ولا حسنة ترجح في الكافر مع شركه إلا أن يقال : المؤمن{[8093]} توزن حسناته ، وتقابل بسيئاته دون إيمانه . وكذلك /169-أ/ الكافر تقابل سيئاته بحسناته دون الشرك ؛ [ تذهب حسنات الكفار ]{[8094]} التي كانت لهم في الدنيا بما أنعم عليهم في الدنيا . وأما المؤمن فيتجاوز عن سيئاته ، ويتقبّل عنه{[8095]} أحسن ما عمل لقوله{[8096]} تعالى : { أولئك الذين يتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم } [ الأحقاف : 16 ] .
ويحتمل أن يكون ما ذكر من الميزان هو الكتاب الذي ذكر في [ آيات أخر كقوله ]{[8097]} تعالى : { فأما من أوتي كتابه بيمينه } { فسوف يحاسب حسابا يسيرا } { وأما من أوتي كتابه وراء ظهره } [ الانشقاق : 7و8و10 ] وكما{[8098]} قال : { فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه } { وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه } [ الحاقة : 19و25 ] .
وقال بعضهم : الوزن العدل كقوله تعالى : { ونضع الموازين القسط } [ الأنبياء : 47 ] لم يقل : ونضع الموازين بالقسط ، ولكن قال : { ونضع الموازين القسط } والقسط هو العدل ، فهو إخبار عن العدل أنه يعدل بينهم يومئذ .
وقال بعضهم : قوله تعالى : { والوزن يومئذ الحق } أي الجزاء يومئذ الحق ؛ يجزي للطاعة الحسنة والثواب وللسيئة [ العقاب والعذاب ]{[8099]} ؛ فهو حق .
وقال بعضهم : قوله تعالى : { والوزن يومئذ الحق } أي الطاعة ، حق كل مطيع يومئذ ، فهو حق ؛ ويحتمل أن يكون الوزن الحدود والتقدير كقوله تعالى : { وأنبتنا فيها من كل شيء موزون } [ الحجر : 19 ] أي محدود فعلى ذلك قوله : { والوزن يومئذ الحق } أي الحد يومئذ الحق ، لا يزاد على السيئات ، ولا ينقص من الحسنات التي عملوا في الدنيا ، والله أعلم بما أراد من الوزن .
ثم قال أهل التأويل في قوله تعالى : { فأولئك الذين خسروا أنفسهم } أي غبنوا ؛ وذلك أنه ما من أحد من مؤمن وكافر إلا وله في الجنة والنار منزل وأهل ؛ فيرث المؤمن المنزل الذي كان للكافر في الجنة ، ويرث الكافر المنزل الذي للمؤمن في النار ، فهذا الخسران الذي خسروا . لكن هذا لا يحتمل أن يكون الله تعالى يجعل للكافر في الجنة منزلا وأهلا مع علمه أنه لا يؤمن ، ويختم على كفره .
ويحتمل الخسران الذي ذكر هو أنهم خسروا في الدنيا والآخرة لما فات عنهم النعم التي كانت لهم في الدنيا ، ولم يصلوا إلى نعيم الآخرة ، فذلك هو الخسران المبين في الدنيا والآخرة .
وقوله تعالى : { بما كانوا بآياتنا يظلمون } قال الحسن : { بآياتنا } حججنا { يظلمون } أي يضعونها في غير موضعها ؛ وهو ما ذكر من ظلمهم الآيات ؛ لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه .
ثم المسألة في من ارتكب كل ذنب وكبيرة في حال كفره من الكبائر مغفورا معفوّا عنه غير مؤاخذ بها ، ومن ارتكب ذلك في حال إيمانه ، وختم على الإيمان ، لم تعمل الكبائر{[8100]} في تكفيره ، وكان مؤاخذا بها{[8101]} ، والله أعلم ، لوجهين :
أحدهما : أن ليس على الكافر [ أفعال الطاعات نفسها وعينها ]{[8102]} إنما عليه قبول تلك [ الطاعات ]{[8103]} . فإذا أسلم فقد قبلها ، ولم يكن عليه في ذلك الوقت إلا القبول ؛ لذلك لم يؤاخذ بما كان منه من الأفعال .
وأما المؤمن فعليه [ أفعال تلك الطاعات نفسها ]{[8104]} وتلك الأعمال ، وقد كان منه القبول والتفريط في تلك الأعمال .
والثاني : أن الكافر إذا أسلم بعدما ارتكب من الكبائر لم يخرج إيمانه ، ولا أدخل فيه نقصا ، فلا يؤاخذ بما كان منه لمّا قدم على ربه بإيمان كامل .
وأما المؤمن إذا ارتكب كبائر [ فما أخرج الإيمان ، ولكن ]{[8105]} أدخل النقصان بعمله الذي يخالف الإيمان ، ولا يوافقه لذلك افترقا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.