السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلۡوَزۡنُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (8)

{ والوزن } أي : لصحائف الأعمال بميزان له لسان وكفتان ينظر إليها الخلائق إظهاراً للعدل وقطعاً للمعذرة كما يسألهم عن أعمالهم فتعترف بها ألسنتهم وتشهد بها جوارحهم ويؤيده ما روي أنّ رجلاً يؤتى به إلى الميزان فينشر عليه تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مدّ البصر فيخرج له بطاقة فيها كلمتا الشهادة فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة والبطاقة رقعة صغيرة تجعل في طيّ الثوب يكتب فيها ثمنه ، وقيل : توزن الأعمال .

روي عن ابن عباس : يؤتى بالأعمال الحسنة على صورة حسنة وبالأعمال السيئة على صورة قبيحة فتوضع في الميزان ، وقيل : توزن الأشخاص لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة ) وقوله تعالى : { يومئذٍ } أي : يوم السؤال المذكور وهو يوم القيامة خبر المبتدأ الذي هو الوزن ، وقوله تعالى : { الحق } أي : العدل السوي صفته { فمن ثقلت موازينه } أي : رجحت على ما يعهد في الدنيا بصحائف الأعمال أو حسناته أو به على الأقوال الماضية ، وعن الحسن : وحق لميزان توضع فيه الحسنات أن يرجح ويثقل وحق لميزان توضع فيه السيئات أن يخف .

فإن قيل : الميزان واحد فما وجه الجمع ؟ أجيب : بأنّ العرب قد توقع لفظ الجمع على الواحد وقيل : إنه ينصب لكل عبد ميزان ، وقيل : إنما جمعه لأنّ الميزان يشتمل على الكفتين واللسان والساهون ولا يتم الوزن إلا بذلك كله ، وقيل : جمع لاختلاف الموزونات وتعدد الجمع فهو جمع موزون أو ميزان { فأولئك هم المفلحون } الفائزون بالنجاة والثواب .