جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَٱلۡوَزۡنُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (8)

{ والوزن } أي : للأعمال { يومئذ } يوم السؤال { الحق{[1578]} } العدل ووزن الأعمال بتقليبها أجساما أو بوزن صحيفة الأعمال أو صاحب الأعمال ، قيل : تارة توزن الأعمال وتارة صحيفتها وتارة صاحبها جمعا بين الأحاديث ، ويومئذ خبر الوزن والحق صفته . { فمن ثقُلت موازينه } جمع موزون أي : أعماله مطلقا أو ميزان وجمعه على الثاني باعتبار كثرة الموزون . { فأولئك هم المفلحون } الفائزون الناجون .


[1578]:يومئذ الحق مذهب الجمهور أن في القيامة ميزانا له كفتان ولسان ومثل ذلك ليس بثابت بالنص ولا بالسنة والثقل والخفة من صفات الأجسام فقالوا الموزون الصحف أو بتقليب الأعمال أجساما والكلام الحق أن الموازين يختلف كميزان الشعر وميزان العرض والطول وكيفية ميزان الأعمال علمها عند الله تعالى لا نعلم إلا بعد الرؤية/12 وجيز. بلفظه. قال القشيري: وقد أحسن الزجاج فيما قال ولا يحمل الصراط على الدين الحق والجنة والنار على ما يرد الأرواح دون الأجساد، والشياطين والجن على الأخلاق المذمومة، والملائكة على القوى المحمودة. ثم قال: وقد أجمعت الأمة في الصدر الأول على الأخذ بهذه الظواهر من غير تأويل وإذا أجمعوا على منع التأويل وجب الأخذ بالظاهر وصارت هذه الظواهر نصوصا انتهى. والحق أن وزن الصحائف وزن حقيقي، وأما المستبعدون لحمل هذه الظواهر على حقائقها فلم يأتوا في استبعادهم بشيء من الشرع يرجع إليه، بل غاية ما تشبثوا به مجرد الاستبعادات العقلية وليس في ذلك حجة لأحد، فهذا إذا لم تقبله عقولهم فقد قبلته عقول قوم هي أقوى من عقولهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم حتى جاءت البدع كالليل، وقال كل ما شاء وتركوا الشرع خلف ظهورهم، وليتهم جاءوا بأحكام عقلية يتفق العقلاء عليها ويتحد قبولهم لها، بل كل فريق يدعي على العقل ما يطابق هواه ويوافق ما يذهب إليه هو ومن هو تابع له فتناقض عقولهم على حسب ما تناقضت مذاهبهم، يعرف هذا كل منصف ومن أنكره فليصف فهمه وعقله من شوائب التعصب والتمذهب فإنه إن فعل ذلك أسفر الصبح لعينيه، وقد ورد ذكر الوزن والميزان في مواضع من القرآن والأحاديث في الباب كثيرة جدا، وما في الكتاب والسنة يغني عن غيرهما فلا يلتفت إلى تأويل أحد أو تحريفه مع قول الله ورسوله الصادق المصدوق والصباح يغني عن المصباح/12 فتح البيان في مقاصد القرآن.