التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا يَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ أَرۡبَابًاۚ أَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (80)

وقوله - تعالى - { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الملائكة والنبيين أَرْبَاباً } تأكيد لنفى أن يقول أحد من البشر الذين آتاهم الله الكتاب والحكم والنبوة للناس اعبدونى من دون الله ، وتنزيه لساحتهم عن أن يأمروهم بعبادة غير الله .

وقوله { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ } وردت فيه قراءتان مشهورتان .

أما القراءة الأولى فبفتح الراء عطفا على { يَقُولَ } فى قوله { ثُمَّ يَقُولَ } وتكون " لا " مزيدة لتأكيد معنى النفى فى قوله { مَا كَانَ لِبَشَرٍ } ويكون فى الآية التفات من الغيبة إلى الخطاب .

والمعنى على هذه القراءة : ما كان لبشر أن يؤتية الله ما ذكر ثم يأمر الناس بعبادة نفسه ، أو يأمرهم باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا ، وذلك كقولك ما كان لزيد أن أكره ثم يهيننى ويستخف بى . وبهذه القراءة قرأ ابن عامر وحمزة وعاصم .

وعلى هذه القراءة يكون توسيط الاستدراك بين المعطوف والمعطوف عليه ، للمسارعة إلى تحقيق الحق ، ولبيان ما يليق بشأنه ويحق صدوره عنه .

وأما القراءة الثانية فقد قرأها الباقون برفع الراء فى { يَأْمُرَكُمْ } فتكون الجملة مستأنفة ، والمعنى : ولا يأمركم هذا البشر الذى أعطاه الله ما أعطاه من نعمة أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا .

وخصص الملائكة والنبيين بالذكر لأن عبادتهما قد شاعت عند كثير من الناس ، فقد وقع فى عبادة الملائكة " الصابئة " الذين كانوا يقيمون فى بلاد الكلدان ، وتبعهم بعض المشركين من العرب . ووقع فى عبادة بعض النبيين كثير من النصارى فقد اتخذوا المسيح إلها يعبد وزعموه ابن الله وكثير من اليهود عبدوا عزيزاً وزعموه ابن الله .

والاستفهام فى قوله { أَيَأْمُرُكُم بالكفر بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } للإنكار الذى بمعنى النفى .

أى : أن الرسل الكرام لا يمكن أن يأمروا الناس بالكفر بالله بعد أن هداهم الله - تعالى - عن طريق هؤلاء الرسل إلى أن يكونوا مسلمين .

فالجملة الكريمة تأكيد بأبلغ وجه لنفى أن يأمر الرسل الناس بعبادة غير الله ، وتنزيه لساحتهم عن أن يقولوا قولا أو يأمروا بأمر يخالف ما تلقوه عن له - تعالى - من إفراده بالعبادة والطاعة والخضوع .

قال بعضهم : وإذا كان ما ذكر في الآيتين لا يصلح لنبى ولا لمرسل ، فلأن لا يصلح لأحد من الناس غيرهم بطريق الأولى والأحرى ، ولهذا قال الحسن البصرى : لا ينبغى هذا لمؤمن أن يأمر الناس بعبادته . ثم قال : وذلك أن القوم - يعنى أهل الكتاب - كان يعبد بعضهم بعضا كما قال - تعالى - { اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله } .

فالجهلة من الأحبار والرهبان يدخلون فى هذا الذم ، بخلاف الرسل وأتباعهم من العلماء العاملين ، فإنهم إنما يأمرون بما أمر الله به ، وينهون عما نهى الله - تعالى - عنه ولذلك سعدوا وفازوا " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا يَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ أَرۡبَابًاۚ أَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (80)

65

والنبي لا يأمر الناس أبدا أن يتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ، فالنبي لا يأمر الناس بالكفر بعد أن يسلموا لله ويستسلموا لألوهيته ، وقد جاء ليهديهم إلى الله لا ليضلهم ، وليقودهم إلى الإسلام لا ليكفرهم !

ومن ثم تتجلى استحالة هذا الذي ينسبه ذلك الفريق إلى عيسى - عليه السلام - كما يتجلى الكذب على الله في ادعائهم أن هذا من عند الله . . وتسقط في الوقت ذاته قيمة كل ما يقوله هذا الفريق وما يعيده لإلقاء الريب والشكوك في الصف المسلم . وقد عراهم القرآن هذه التعرية على مرأى ومسمع من الجماعة المسلمة !

ومثل هذا الفريق من أهل الكتاب فريق ممن يدعون الإسلام ، ويدعون العلم بالدين كما أسلفنا . وهم أولى بأن يوجه إليهم هذا القرآن اليوم . وهم يلوون النصوص القرآنية ليا ، لإقامة أرباب من دون الله في شتى الصور . وهم يتصيدون من النصوص ما يلوونه لتمويه هذه المفتريات . ( ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا يَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ أَرۡبَابًاۚ أَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (80)

ثم قال : { وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا } أي : ولا يأمركم بعبادة أحد غير الله ، لا نبي مرسل ولا ملك مُقَرَّب { أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } أي : لا يَفْعَل{[5254]} ذلك ؛ لأنَّ من دعا إلى عبادة غير الله فقد دعا إلى الكفر ، والأنبياء إنما يأمرون بالإيمان ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، كما قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي{[5255]} إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [ الأنبياء : 25 ] وقال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } الآية ، [ النحل : 36 ] وقال تعالى{[5256]} { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [ الزخرف : 45 ] وقال [ تعالى ]{[5257]} إخبارًا عن الملائكة : { وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } [ الأنبياء : 29 ] .


[5254]:في ر: "تفعل".
[5255]:في ر: "يوحي".
[5256]:زيادة من جـ، ر، أ.
[5257]:زيادة من جـ، ر، أ، و.