غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَا يَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ أَرۡبَابًاۚ أَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (80)

72

{ ولا يأمركم } من قرأ بالنصب فوجهان :

أحدهما أن تجعل " لا " مزيدة لتأكيد النفي أي ما ينبغي لبشر أن ينصبه الله منصب الدعاء إلى اختصاص الله بالعبادة ثم يخالفه إلى أن يأمر الناس بعبادة نفسه ويأمركم { أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً } كما نقول : ما كان لزيد أن أكرمه ثم يهينني ويستخف بي .

والثاني أن يكون حرف النفي غير زائد فيرجع المعنى إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى قريشاً عن عبادة الملائكة ، واليهود والنصارى عن عبادة عزير والمسيح بحيث قالوا له : أنتخذك رباً ؟ قيل لهم : ما كان لبشر أن يستنبئه الله ثم يأمر الناس بعبادة نفسه وينهاكم عن عبادة الملائكة والأنبياء ، فيكون عدم الأمر في معنى النهي . ويراد بالنبيين غيره صلى الله عليه وسلم كأنه أخرج نفسه بتلك الدعوى عن زمرة الأنبياء . ومن قرأ بالرفع على الاستئناف فظاهر وتنصره قراءة عبد الله بن مسعود { ولن يأمركم } والضمير فيه على قراءة الرفع - قال الزجاج - لله . وقال ابن جريج لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : لعيسى . وإنما خص الملائكة والنبيين بالذكر لأن الذين وصفوا بعبادة غير الله لم يحك عنهم إلا عبادة الملائكة وعبادة المسيح . { أيأمركم } أي البشر وقيل : الله { بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } ومعنى الاستفهام الإنكار أي إنه لا يفعل ذلك . قيل : وفيه دليل على أن المخاطبين كانوا مسلمين وهم الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسجدوا له . قلت : وضع الشيء ابتداء أسهل من رفع نقيضه ثم وضعه ، فيحتمل أن يكون المراد ما صح ولا يعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بعبادة نفسه أول ما استنبىء ، فكيف يعقل أن يأمرهم بذلك بعد الفهم بالإسلام واستنارة باطنهم بنور الهدى والإيمان بالله ؟