التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الغاشية

مقدمة وتمهيد

1- سورة " الغاشية " ، وتسمى سورة " هل أتاك حديث الغاشية " من السور المكية الخالصة ، وعدد آياتها ست وعشرون آية ، وهي السورة الثامنة والثمانون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول ، فهي السورة السابعة والستون من بين السور المكية ، وكان نزولها بعد سورة " الذاريات " وقبل سورة " الكهف " .

2- وهي من السور التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها كثيرا ، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه ، عن النعمان بن بشير ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ " سبح اسم ربك الأعلى " " والغاشية " في صلاة الجمعة والعيدين .

وفي رواية –أيضا- عن النعمان بن بشير أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه السورة مع سورة الجمعة ، في صلاة الجمعة .

وقد اشتملت السورة الكريمة على بيان أحوال الكافرين والمؤمنين يوم القيامة ، كما لفتت أنظار الناس إلى مظاهر قدرة الله في خلقه ، لكي يتفكروا ويتدبروا أن الخالق لهذه الأشياء بتلك الصورة البديعة ، هو المستحق للعبادة والطاعة ، وأنهم سيعودون إليه للحساب والجزاء [ إن إلينا إيابهم . ثم إن علينا حسابهم ] .

الاستفهام فى قوله - تعالى - : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية } للتحقيق والتقرير ، أو المقصود به التعجيب من حديث القيامة ، والتشويق إلى الاستماع إليه .

والغاشية : لفظ مشتق من الغشيان ، وهو تغطية الشئ لغيره ، يقال : غشيه الأمر ، إذا غطاه ، والمقصود بالغاشية يوم القيامة ، ووصف يوم القيامة بذلك ، لأنه يغشى الناس بأهواله وشدائده ، ويغطى عقولهم عن التفكير فى أى شئ سواه .

والمعنى : هل بلغك - أيها الرسول الكريم أو أيها المخاطب - حديث يوم القيامة ، الذى يغشى الناس بأحواله المفزعة ، ويعمهم بشدائده . . إن كان لم يأتك فهذا خبره ، وتلك هى أقسام الناس فيه .

وافتتاح السورة بهذا الافتتاح - بجانب ما فيه من تشويق - يدل على أهمية هذا الخبر ، وأنه من الأخبار التى ينبغى الاستعداد لما اشتملت عليه من معانى لا يصح التغافل عنها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الغاشية مكية وآياتها ست وعشرون

هذه السورة واحدة من الإيقاعات العميقة الهادئة . الباعثة إلى التأمل والتدبر ، وإلى الرجاء والتطلع ، وإلى المخافة والتوجس ، وإلى عمل الحساب ليوم الحساب !

وهي تطوف بالقلب البشري في مجالين هائلين : مجال الآخرة وعالمها الواسع ، ومشاهدها المؤثرة . ومجال الوجود العريض المكشوف للنظر ، وآيات الله المبثوثة في خلائقه المعروضة للجميع . ثم تذكرهم بعد هاتين الجولتين الهائلتين بحساب الآخرة ، وسيطرة الله ، وحتمية الرجوع إليه في نهاية المطاف . . كل ذلك في أسلوب عميق الإيقاع ، هادئ ، ولكنه نافذ . رصين ولكنه رهيب !

( هل أتاك حديث الغاشية ? ) . .

بهذا المقطع تبدأ السورة التي تريد لترد القلوب إلى الله ، ولتذكرهم بآياته في الوجود ، وحسابه في الآخرة وجزائه الأكيد . وبهذا الإستفهام الموحي بالعظمة الدال على التقدير ؛ الذي يشير في الوقت ذاته إلى أن أمر الآخرة مما سبق به التقرير والتذكير . وتسمى القيامة هذا الإسم الجديد : ( الغاشية ) . . أي الداهية التي تغشى الناس وتغمرهم بأهوالها . وهو من الأسماء الجديدة الموحية التي وردت في هذا الجزء . . الطامة . . الصاخة . . الغاشية . . القارعة . . مما يناسب طبيعة هذا الجزء المعهودة .

وهذا الخطاب : هل أتاك . . ? كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يحس وقع توجيهه إلى شخصه ، حيثما سمع هذه السورة ، وكأنما يتلقاه أول أمر مباشرة من ربه ، لشدة حساسية قلبه بخطاب الله - سبحانه - واستحضاره لحقيقة الخطاب ، وشعوره بأنه صادر إليه بلا وسيط حيثما سمعته أذناه . . قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا أبو بكر بن عباس ، عن أبي إسحاق ، عن عمر بن ميمون ، قال : مر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] على امرأة تقرأ : ( هل أتاك حديث الغاشية ? )فقام يستمع ويقول : " نعم قد جاءني " . .

والخطاب - مع ذلك - عام لكل من يسمع هذا القرآن . فحديث الغاشية هو حديث هذا القرآن المتكرر . يذكر به وينذر ويبشر ؛ ويستجيش به في الضمائر الحساسية والخشية والتقوى والتوجس ؛ كما يثير به الرجاء والارتقاب والتطلع . ومن ثم يستحيي هذه الضمائر فلا تموت ولا تغفل .

( هل أتاك حديث الغاشية ? ) . . ثم يعرض شيئا من حديث الغاشية :

( وجوه يومئذ خاشعة . عاملة ناصبة . تصلى نارا حامية . تسقى من عين آنية . ليس لهم طعام إلا من ضريع . لا يسمن ولا يغني من جوع ) . .

إنه يعجل بمشهد العذاب قبل مشهد النعيم ؛ فهو أقرب إلى جو( الغاشية )وظلها . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الغاشية

وهي مكية .

قد تقدم عن النعمان بن بَشير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ب " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى " والغاشية في صلاة العيد ويوم الجمعة .

وقال الإمام مالك ، عن ضَمْرَة بن سعيد ، عن عُبَيد الله بن عبد الله : أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير : بم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة مع سورة الجمعة ؟ قال : " هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ " .

رواه أبو داود عن القَعْنَبي ، والنسائي عن قتيبة ، كلاهما عن مالك ، به{[1]} ورواه مسلم وابن ماجة ، من حديث سفيان بن عيينة ، عن ضمرة بن سعيد ، به{[2]} .

الغاشية : من أسماء يوم القيامة . قاله ابن عباس ، وقتادة ، وابن زيد ؛ لأنها تغشى الناس وتَعُمّهم . وقد قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافِسِيّ ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة تقرأ : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } فقام يستمع ويقول : " نعم ، قد جاءني " {[29992]} .


[1]:زيادة من أ.
[2]:ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ كما في الدر (3/270).
[29992]:- (3) وهذا مرسل وقد تقدم.