التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابٗا شَدِيدًا أَوۡ لَأَاْذۡبَحَنَّهُۥٓ أَوۡ لَيَأۡتِيَنِّي بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ} (21)

وقوله - تعالى - : { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } بيان للحكم الذى أصدره سليمان - عليه السلام - على الهدهد بسبب غيابه بدون إذن .

أى : لأعذبن الهدهد عذاباً شديداً يؤلمه ، أو لأذبحنه ، أو ليأتينى بحجة قوية توضح سبب غيابه . وتقنعنى بالصفح عنه ، وبترك تعذيبه ، أو ذبحه .

فأنت ترى أن سليمان - عليه السلام - وهو النبى الملك الحكيم العادل - يقيد تعذيب الهدهد أو ذبحه . بعدم إتيانه بالعذر بالمقبول عن سبب غيابه ، أما إذا أتى بهذا العذر فإنه سيعفو عنه ، ويترك عقابه .

فكأنه - عليه السلام - يقول : هذا الهدهد الغائب إما أن أعذبه عذاباً شديداً وإما أن أذبحهى بعد حضوره ، وإما أن يأتينى بعذر مقبول عن سبب غيابه ، وفى هذه الحالة فأنا سأعفو عنه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابٗا شَدِيدًا أَوۡ لَأَاْذۡبَحَنَّهُۥٓ أَوۡ لَيَأۡتِيَنِّي بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ} (21)

15

ويتضح أنه غائب ، ويعلم الجميع من سؤال الملك عنه أنه غائب بغير إذن ! وحينئذ يتعين أن يؤخذ الأمر بالحزم ، كي لا تكون فوضى . فالأمر بعد سؤال الملك هذا السؤال لم يعد سرا . وإذا لم يؤخذ بالحزم كان سابقة سيئة لبقية الجند . ومن ثم نجد سليمان الملك الحازم يتهدد الجندي الغائب المخالف : ( لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه ) . . ولكن سليمان ليس ملكا جبارا في الأرض ، إنما هو نبي . وهو لم يسمع بعد حجة الهدهد الغائب ، فلا ينبغي أن يقضي في شأنه قضاء نهائيا قبل أن يسمع منه ، ويتبين عذره . . ومن ثم تبرز سمة النبي العادل : أو ليأتيني بسلطان مبين . أي حجة قوية توضح عذره ، وتنفي المؤاخذة عنه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابٗا شَدِيدًا أَوۡ لَأَاْذۡبَحَنَّهُۥٓ أَوۡ لَيَأۡتِيَنِّي بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ} (21)

وقوله : لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا يقول : فلما أخبر سليمان عن الهدهد أنه لم يحضر وأنه غائب غير شاهد ، أقسم لأُعَذّبَنّه عَذَابا شَدِيدا وكان تعذيبه الطير فيما ذُكر عنه إذا عذّبها أن ينتف ريشها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا الحماني ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، في قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا قال : نتف ريشه .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن عطية ، عن شريك ، عن عطاء ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا عذابه : نتفه وتشميسه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا قال : نتف ريشه وتشميسه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا قال : نتف ريشه كله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شدِيدا قال : نتف ريش الهدهد كله ، فلا يغفو سنة .

قال : ثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة ، قال : نتف ريشه .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا يقول : نتف ريشه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن يزيد بن رومان أنه حدّث أن عذابه الذي كان يعذّب به الطير نتف جناحه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : قيل لبعض أهل العلم : هذا الذبح ، فما العذاب الشديد ؟ قال : نتف ريشه بتركه بَضعة تنزو .

حدثنا سعيد بن الربيع الرازيّ ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن بشار ، عن ابن عباس ، في قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا قال : نتفه .

حدثني سعيد بن الربيع ، قال : حدثنا سفيان ، عن حسين بن أبي شدّاد ، قال : نتفه وتشميسه .

أو لأذبحنه ، يقول : أو لأقتلنه . كما :

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : أوْ لأَذْبَحَنّه يقول : أو لأقتلنه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عباد بن العوّام ، عن حُصَين ، عن عبد الله بن شدّاد : لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا أَوْ لأَذْبحَنّهُ . . . الاَية ، قال : فتلقاه الطير ، فأخبره ، فقال : ألم يستثن ؟

وقوله : أوْ لَيَأْتِيَنّي بسُلْطانٍ مُبِينٍ يقول : أو ليأتيني بحجة تبين لسامعها صحتها وحقيقتها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ بن الحسين الأزديّ ، قال : حدثنا المعافىَ بن عمران ، عن سفيان ، عن عمار الدّهْني ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : كل سلطان في القرآن فهو حجة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله أوْلَيَأْتِيَنّي بِسُلْطانٍ مَبِينٍ يقول : ببينة أعذره بها ، وهو مثل قوله : الّذِينَ يُجادِلُونَ في آياتِ اللّهِ بغَيْرِ سُلْطانٍ يقول : بغير بيّنة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن رجل ، عن عكرِمة ، قال : كل شيء في القرآن سلطان ، فهو حجة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عبد الله ، بن يزيد ، عن قَباث بن رَزِين ، أنه سمع عكرِمة يقول : سمعت ابن عباس يقول : كلّ سلطان في القرآن فهو حجة ، كان لهدهد سلطان .

حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة أوْلَيَأْتِيَنّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ قال : بعذر بين .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه أوْلَيأْتِيَنّي بِسُلْطانٍ مُبِينِ : أي بحجة عذر له في غيبته .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : أوْليَأْتِيَنّي بِسُلْطانٍ مُبِينِ يقول : ببينة ، وهو قول الله الّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بغَيْرِ سُلْطانٍ بغير بينة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله أوْلَيَأْتِيَنّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ قال : بعذر أعذره فيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابٗا شَدِيدًا أَوۡ لَأَاْذۡبَحَنَّهُۥٓ أَوۡ لَيَأۡتِيَنِّي بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ} (21)

ثم توعده عليه السلام بالعذاب ، وروي عن ابن عباس ومجاهد وابن جريج أن تعذيبه للطير كان بأن تنتف ، قال ابن جريج : ريشه أجمع ، وقال يزيد بن رومان{[3]} : جناحاه ، وروى ابن وهب أنه بأن تنتف أجمع وتبقى بضعة تنزو ، و «السلطان » الحجة حيث وقع في القرآن ، قاله عكرمة عن ابن عباس ، وقرأ ابن كثير وحده «ليأتينني » بنونين ، وفعل سليمان هذا بالهدهد إغلاظاً عن العاصين وعقاباً على إخلاله بنوبته ورتبته .


[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.