التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

ثم بين - سبحانه - ما هم عليه في الجنة من صفاء نفسى ، ونقاء قلبى فقال : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } .

والنزع : القلع يقال : نزع فلان هذا الشىء من مكانه إذا قلعه منه ، وفعله من باب ضرب والغل : الحقد والضغينة ، وأصله من الغلالة ، وهى ما يلبس بين الثوبين : الشعار والدثار .

أو من الغلل وهو الماء المتخلل بين الأشجار . ويقال : غل صدر فلان يغل - بالكسر - غلا إذا كان ذا غش ، أو ضغن ، أو حقد .

والسرر : جمع سرير وهو المكان المهيأ لراحة الجالس عليه وإدخال السرور على قلبه .

أى : وقلعنا ما في صدور هؤلاء المتقين من ضغائن وعداوات كانت موجودة فيها في الدنيا ، وجعلناهم يدخلون الجنة إخوانًا متحابين متصافين ، ويجلسون متقابلين ، على سرر مهيأة لراحتهم ورفاهيتهم وإدخال السرور على نفوسهم .

وقوله : { إِخْوَاناً على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } حال عن فاعل { ادخلوها } .

وعبر بقوله { متقابلين } لأن مقابلة الوجه للوجه أدخل في الإِيناس ، وأجمع للقلوب .

والآية الكريمة تشعر بأنهم في الجنة ينشئهم الله - تعالى - نشأة أخرى جديدة وتكون قلوبهم فيها خالية من كل ما كان يخالطهم في الدنيا من ضغائن وعداوات وأحقاد وأطماع وغير ذلك من الصفات الذميمة ، ويصلون بسبب هذه النشأة الجديدة إلى منتهى الرقى البشرى . . .

وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية عددا من الأحاديث والآثار منها ما رواه القاسم عن أبى أمامة قال : يدخل أهل الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن ، حتى إذا توافوا وتقابلوا نزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غل ، ثم قرأ : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ .

ومنها : ما رواه أبو مالك الأشجعى عن أبي حبيبة - مولى لطلحة - قال : دخل عمران ابن طلحة على الإِمام على بن أبى طالب بعد ما فرغ من أصحاب الجمل ، فرحب على - رضى الله عنه - به ، وقال : إنى لأرجو أن يجعلنى الله وإياك من الذين قال الله فيهم : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ . . . } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

26

( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) ،

في مقابل الحقد الذي يغلي به صدر إبليس فيما سلف من السياق .

/خ48

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَاناً عَلَىَ سُرُرٍ مّتَقَابِلِينَ } .

يقول تعالى ذكره : إن الذين اتقوا الله بطاعته وخافوه ، فتجنبوا معاصيه في جَنّاتٍ وَعُيُونٍ يقال لهم : ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ من عقاب الله ، أو أن تُسلبوا نعمة الله عليكم وكرامة أكرمكم بها . قوله : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ يقول : وأخرجنا ما في صدور هؤلاء المتقين الذين وصف صفتهم من حقد وضغينة بعضهم لبعض .

واختلف أهل التأويل في الحال التي ينزع الله ذلك من صدورهم ، فقال بعضهم : ينزل ذلك بعد دخولهم الجنة . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن بشر البصري ، عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أُمامة ، قال : يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن ، حتى إذا توافوا وتقابلوا نزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غلّ . ثم قرأ : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو فضالة ، عن لقمان ، عن أبي أمامة ، قال : لا يدخل مؤمن الجنة حتى ينزع الله ما في صدورهم من غلّ ، ثم ينزع منه السبع الضاري .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن إسرائيل ، عن أبي موسى سمع الحسن البصري يقول : قال عليّ : فينا والله أهل بدر نزلت الاَية : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال : من عداوة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ، عن جويبر ، عن الضحاك : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال : العداوة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب ، عن رجل ، عن عليّ : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال : العداوة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : جاء ابن جرموز قاتل الزبير يستأذن على عليّ ، فحجبه طويلاً ، ثم أذن له فقال له : أما أهل البلاء فتجفوهم قال عليّ : بفيك التراب إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جعفر ، عن عليّ نحوه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبان بن عبد الله البجلي ، عن نعيم بن أبي هند ، عن ربْعِيّ بن حِرَاش ، بنحوه ، وزاد فيه : قال : فقام إلى عليّ رجل من هَمْدان ، فقال : الله أعدل من ذلك يا أمير المؤمنين قال : فصاح عليّ صيحة ظننت أن القصر تَدَهْدَهَ لها ، ثم قال : إذا لم نكن نحن فمن هم ؟

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، قال : حدثنا أبو مالك الأشجعي ، عن أبي حبيبة مولى لطلحة ، قال : دخل عمران بن طلحة على عليّ بعد ما فرغ من أصحاب الجمل ، فرحّب به وقال إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله : إخْوانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ورجلان جالسان على ناحية البساط ، فقالا : الله أعدل من ذلك ، تقتلهم بالأمس وتكونون إخوانا ؟ فقال عليّ : قُومَا أبعد أرضها وأسحقها فمن هم إذن إن لم أكن أنا وطلحة ؟ وذكر لنا أبو معاوية الحديث بطوله .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا عبد الواحد ، قال : حدثنا أبو مالك ، قال : حدثنا أبو حبيبة ، قال : قال عليّ لابن طلحة : إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين نَزَعَ الله ما في صدورهم من غلّ ويجعلنا إخوانا على سرر متقابلين .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا حماد بن خالد الخياط ، عن أبي الجويرية ، قال : حدثنا معاوية بن إسحاق ، عن عمران بن طلحة ، قال : لما نظرني عليّ قال : مرحبا بابن أخي فذكر نحوه .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا هشام ، عن محمد ، قال : استأذن الأشتر على عليّ وعنده ابنٌ لطلحة ، فحبسه ثم أذن له ، فلما دخل قال : إني لأراك إنما حبستني لهذا قال : أجل . قال : إني لأراه لو كان عندك ابن لعثمان لحبستني قال : أجَل ، إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسحاق الأزرق ، قال : أخبرنا عوف ، عن سيرين ، بنحوه .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، قال : حدثنا السكن بن المغيرة ، قال : حدثنا معاوية ابن راشد ، قال : قال عليّ : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : حدثنا ابن المتوكل الناجي ، أن أبا سعيد الخدريّ حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يَخْلُصُ المُوءْمِنُونَ مِنَ النّارِ فَيُحْبَسُونَ على قَنْطَرَة بينَ الجَنّةِ والنّارِ ، فَيُقْتَصّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظالِمَ كانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدّنْيا حتى إذَا هُذّبُوا ونُقّوا أُذِنَ لَهُمْ في دُخُولِ الجَنّة » قالَ : «فَوَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بيَدِهِ ، لأَحَدُهُمْ أهْدَى بِمَنْزِلِهِ في الجَنّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ الّذِي كانَ فِي الدّنْيا » وقال بعضهم : ما يشبّه بهم إلا أهل جمعة انصرفوا من جمعتهم .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة في هذه الاَية : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ قال : حدثنا قتادة أن أبا المتوكل الناجي حدثهم أن أبا سعيد الخدريّ حدثهم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره نحوه ، إلى قوله «وأذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الجَنّةِ » ثم جعل سائر الكلام عن قتادة . قال : وقال قتادة : فوالذي نفسي بيده لأحدهم أهدى بمنزله . ثم ذكر باقي الحديث نحو حديث بشر غير أن الكلام إلى آخره عن قتادة ، سوى أنه قال في حديثه : قال قتادة وقال بعضهم : ما يشبّه بهم إلا أهل الجمعة إذا انصرفوا من الجمعة .

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : حدثنا عمر بن زرعة ، عن محمد بن إسماعيل الزبيدي ، عن كثير النواء ، قال سمعته يقول : دخلت على أبي جعفر محمد بن عليّ ، فقلت : وليي وليكم ، وسلمي سِلْمكم ، وعدوّي عدوّكم ، وحربي حربكم إني أسألك بالله ، أتبرأ من أبي بكر وعمر ؟ فقال : قد ضَلَلْتُ إذا وما أنا من المهتدين ، توّلهما يا كثير ، فما أدركك فهو في رقبتي ثم تلا هذه الاَية : إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ يقول : إخوانا يقابل بعضهم وجه بعض ، لا يستدبره فينظر في قفاه .

وكذلك تأوّله أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا حصين ، عن مجاهد ، في قوله : على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ قال : لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى وعبد الرحمن ومؤمل ، قالوا : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

والسرر : جمع سرير ، كما الجدد جمع جديد وجمع سررا وأظهر التضعيف فيها والراءان متحرّكتان لخفة الأسماء ، ولا تفعل ذلك في الأفعال لثقل الأفعال ، ولكنهم يُدْغمون في الفعل ليسكن أحد الحرفين فيخفف ، فإذا دخل على الفعل ما يسكن الثاني أظهروا حينئذٍ التضعيف .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

{ ونزعنا } في الدنيا بما ألف بين قلوبهم ، أو في الجنة بتطييب نفوسهم . { ما في صدورهم من غلٍّ } من حقد كان في الدنيا وعن علي رضي الله تعالى عنه : أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم ، أو من التحاسد على درجات الجنة ومراتب القرب . { إخوانا } حال من الضمير في جنات ، أو فاعل ادخلوها أو الضمير في آمنين أو الضمير المضاف إليه ، والعامل فيها معنى الإضافة وكذا قوله : { على سرر متقابلين } ويجوز أن يكون صفتين لإخوانا أو حال من ضميره لأنه بمعنى متصافين ، وأن يكون متقابلين حالا من المستقرين على سرر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

وذكر الله تعالى في هذه الآية أنه ينزع الغل من قلوب أهل الجنة ، ولم يذكر لذلك موطناً ، وجاء في بعض الحديث أن ذلك على الصراط ، وجاء في بعضها أن ذلك على أبواب الجنة ، وفي لفظ بعضها أن الغل ليبقى على أبواب الجنة كمعاطن الإبل{[7178]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا على أن الله تعالى يجعل ذلك تمثيلاً بلون يخلقه هناك ونحوه ، وهذا كحديث ذبح الموت{[7179]} ، وقد يمكن أيضاً أن يسل من الصدور ، ولذلك جواهر سود فيكون كمبارك الإبل ، وجاء في بعض الأحاديث أن نزع الغل إنما يكون بعد استقرارهم في الجنة .

قال القاضي أبو محمد : والذي يقال في هذا أن الله ينزعه في موطن من قوم وفي موطن من آخرين ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله تعالى فيهم : { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين } . وذكر أن ابناً لطلحة كان عنده{[7180]} فاستأذن الأشتر فحبسه مدة ثم أذن له فدخل ، فقال ألهذا حبستني وكذلك لو كان ابن عثمان حبستني له فقال علي نعم إني وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم { ونزعنا ما في صدورهم من غل } الآية .

قال القاضي أبو محمد : وقد روي أن المستأذن غير الأشتر و { إخواناً } نصب على الحال{[7181]} ، وهذه أخوة الدين والود ، والأخ من ذلك يجمع على إخوان وإخوة أيضاً ، والأخ من النسب يجمع أخوة وإخاء ، ومنه قول الشاعر :

وأي بني الإخاء تصفو مذاهبه{[7182]} . . . ويجمع أيضاً إخواناً و { سرر } جمع سرير ، و { متقابلين } الظاهر أن معناه في الوجوه ، إذ الأسرة متقابلة فهي أحسن في الرتبة ، قال مجاهد لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه ، وقيل { متقابلين } في المودة ، وقيل غير هذا مما لا يعطيه اللفظ .


[7178]:من هذه الأحاديث ما أخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يحبس أهل الجنة بعدما يجوزون الصراط حتى يؤخذ لبعضهم من بعض ظلماتهم في الدنيا، ويدخلون الجنة وليس في قلوبهم على بعض غل). ومنها ما أخرجه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن قتادة في قوله: {و نزعنا ما في صدورهم من غل}، قال: حدثنا أبو المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفسي بيده لأحدهم أهدى لمنزله في الجنة من منزله كان في الدنيا)، قال قتادة: وكان يقال: ما يشبه بهم إلا أهل جمعة انصرفوا من جمعتهم.
[7179]:أخرجه البخاري، ومسلم ، وأحمد، وغيرهم، ولفظه كما في مسند الإمام أحمد (2 ـ 118) : عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، جيء بالموت حتى يوقف بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي مناد: يأهل الجنة خلود لا موت، يأهل النار خلود لا موت، فازداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم، وازداد أهل النار حزنا على حزنهم).
[7180]:أي كان عند علي رضي الله عنه، و معنى قوله: "فحسبه مدة": أمهله مدة فلم يأذن له بالدخول فورا.
[7181]:يجوز أن يكون حالا من [المتقين]، أو من المضمر في [ادخلوها]، أو من المضمر في [آمنين]، أو يكون حالا مقدرة من الهاء والميم في [صدورهم]، وقد جوز أبو البقاء أن يكون حالا من الضمير في الظرف في قوله: {في جنات}، واعترض في "البحر" على كونها حالا من الضمير في [صدورهم]، لأن الحال من المضاف إليه إذا لم يكن معمولا لما أضيف على سبيل الرفع أو النصب تندر، ولهذا قال بعضهم: إذا كان المضاف جزءا من المضاف إليه كما في هذا المثال حيث أن الصدور بعض ما أضيفت إليه جاءت الحال من المضاف، قال أبو حيان: و نحن نقرر أن ذلك لا يجوز، والأفضل هنا أنها منصوبة على المدح، أي: أمدح إخوانا".
[7182]:هذا عجز بيت، ورواية اللسان: "تنبو مناسبه"، قال: ويدل على أن أخا فعل مفتوحة العين جمعهم إياها على أفعال نحو آخاء، حكاه سيبويه عن يونس، وأنشد أبو علي: وجدتم بنيكم دوننا إذ نسبتم وأي بني الآخاء تنبو مناسبه؟
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

جملة ونزعنا ما في صدورهم من غل } عطف على الخبر ، وهو { في جنات وعيون } . والتقدير : إن المتقين نزعنا ما في صدورهم من غِلّ .

والغِلّ بكسر الغين البغض . وتقدم في قوله تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غلّ تجري من تحتهم الأنهار } في سورة الأعراف ( 43 ) ، أي ما كان بين بعضهم من غلّ في الدنيا .

و{ إخواناً } حال ، وهو على معنى التشبيه ، أي كالإخوان ، أي كحال الإخوان في الدنيا .

وأول من يدخل في هذا العموم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم من الحوادث الدافع إليها اختلاف الاجتهاد في إقامة مصالح المسلمين ، والشدة في إقامة الحق على حسب اجتهادهم . كما روي عن علي كرّم الله وجهه أنه قال : إني لأرجو من أن أكون أنا وطلحة ممن قال الله تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً } . فقال جاهل من شيعة عليّ اسمه الحارث بن الأعور الهمذاني : كلا ، اللّهُ أعدل من أن يجمعك وطلحة في مكان واحد . فقال عليّ : « فلمن هذه الآية لا أمّ لك بِفيك التراب » .

والسرر : جمع سرير . وهو محمل كالكرسي متّسع يمكن الاضطجاع عليه . والاتّكاء : مجلس أصحاب الدعة والرفاهية لتمكن الجالس عليه من التقلّب كيف شاء حتى إذا ملّ جِلسة انقلب لغيرها .

والتقابل : كون الواحد قبالة غيره ، وهو أدخل في التأنس بالرؤية والمحَادثة .