{ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بالبينات والزبر والكتاب المنير } .
والبينات : جمع بينه وهى الآيات المبينة للحق ، والأدلة التى يستشهد بها الرسول على أنه صادق فيما يبلغه عن ربه .
والزبر جمع زبور - كالرسول والرسل - وهو الكتاب المقصور على الحكم من زبرته بمعنى حسنته .
وخص الزبور بالكتاب الذى أنزله الله على داود - عليه السلام - : قال - تعالى - { وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } وقيل : الزبر اسم للمواعظ و الزواجر من زبرته إذا زجرته .
والمعنى فإن كذبوك هؤلاء اليهود يا محمد بعد أن قام الدليل على صدقك وعلى كذبهم وتعنتهم وجحودهم ، فلا تبتئس ولا تحزن ، فإن الأنبياء من قبلك قد قوبلوا بالتكذيب من أقوامهم بعد أن جاءوهم بالدلائل الواضحة الدالة على صدقهم وبعد أن جاءوهم ( بالزبر ) أى بالكتب الموحى بها من الله - تعالى - لوعظ الناس وزجرهم ، وبعد أن جاءوهم بالكتاب المنير أى بالكتاب الواضح المستنير المشتمل على سعادة الناس فى دنياهم وآخرتهم .
فالآية الكريمة مسوقة على سبيل التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم والتخفيف عنه مما يلقاه من الجاحدين والمكذبين .
وهنا يلتفت إلى الرسول [ ص ] مسليا مواسيا ، مهونا عليه ما يلقاه منهم ، وهو ما لقيه إخوانه الكرام من الرسل على توالي العصور :
( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك ، جاؤوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ) .
فما هو أول رسول يتلقى بالتكذيب . والأجيال المتعاقبة - وبخاصة من بني إسرائيل - تلقوا بالتكذيب رسلا جاءوهم بالبينات والخوارق ، وجاءوهم بالصحائف المتضمنة للتوجيهات الإلهية - وهي الزبر - وجاءوهم بالكتاب المنير كالتوراة والإنجيل . . فهذا هو طريق الرسل والرسالات . . وما فيه من عناء ومشقة . وهو وحده الطريق .
{ فَإِن كَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِالْبَيّنَاتِ وَالزّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ } .
وهذا تعزية من الله جلّ ثناؤه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على الأذى الذي كان يناله من اليهود وأهل الشرك بالله من سائر أهل الملل . يقول الله تعالى له : لا يحزنك يا محمد كذب هؤلاء الذين قالوا : إن الله فقير ، وقالوا : إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، وافتراؤهم على ربهم اغترارا بإمهال الله إياهم ، ولا يعظمنّ عليك تكذيبهم إياك ، وادّعاؤهم الأباطيل من عهود الله إليهم ، فإنهم إن فعلوا ذلك بك فكذّبوك ، كذبوا على الله ، فقد كذبت أسلافهم من رسل الله قبلك من جاءهم بالحجج القاطعة العذر ، والأدلة الباهرة العقل ، والاَيات المعجزة الخلق ، وذلك هو البينات . وأما الزبر : فإنه جمع زبور : وهو الكتاب ، وكل كتاب فهو زبور ، ومنه قول امرىء القيس :
لَمِنْ طَلَلٌ أبْصَرْتُهُ فَشَجانِي *** كَخَطّ زَبُورٍ فِي عَسِيبِ يَمَانِي
ويعني بالكتاب : التوراة والإنجيل ، وذلك أن اليهود كذّبت عيسى وما جاء به وحرّفت ما جاء به موسى عليه السلام من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وبدلت عهده إليهم فيه ، وأن النصارى جحدت ما في الإنجيل من نعته وغيرت ما أمرهم به في أمره .
وأما قوله : { المُنِيرِ } فإنه يعني : الذي ينير فيبين الحقّ لمن التبس عليه ويوضحه ، وإنما هو من النور والإضاءة ، يقال : قد أنار لك هذا الأمر ، بمعنى : أضاء لك وتبين ، فهو ينير إنارة ، والشيء المنير . وقد :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : { فإنْ كَذّبوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ } قال : يعزّى نبيه صلى الله عليه وسلم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { فإنْ كَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ } قال : يعزّي نبيه صلى الله عليه وسلم .
وهذا الحرف في مصاحف أهل الحجاز والعراق : «والزّبُرِ » بغير باء ، وهو في مصاحف أهل الشام : «وبالزبر » بالباء مثل الذي في سورة فاطر .
{ فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات والزبر والكتاب المنير } تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم من تكذيب قومه واليهود ، والزبر جمع زبور وهو الكتاب المقصور على الحكم من زبرت الشيء إذا حسبته ، والكتاب في عرف القرآن ما يتضمن الشرائع والأحكام ولذلك جاء الكتاب والحكمة متعاطفين في عامة القرآن . وقيل الزبر المواعظ والزواجر ، من زبرته إذا زجرته . وقرأ ابن عامر وبالزبر وهشام وبالكتاب بإعادة الجار للدلالة على أنها مغايرة للبينات بالذات .
ثم آنس تعالى نبيه بالأسوة والقدوة فيمن تقدم من الأنبياء أي : فلا يعظم عليك ذلك ، وقرأ ابن عامر : و «بالزبر » : بإعادة باء الجر ، وسقوطها على قراءة الجمهور متجه ، لأن الواو شركت الزبر في الباء الأولى فاستغني عن إعادة الباء ، وإعادتها أيضاً متجهة لأجل التأكيد ، وكذلك ثبتت في مصاحف أهل الشام ، وروي أيضاً عن ابن عامر إعادة الباء في قوله : «وبالكتاب المنير » و { الزبر } : الكتاب المكتوب يقال : زبرت الكتاب إذا كتبته ، وزبرته إذا قرأته{[3756]} ، والشاهد لأنه الكتاب قول امرىء القيس : [ الطويل ]
لِمَنْ طَلَلٌ أبْصَرْتُهُ فَشَجَاني . . . كَخَطِّ زَبورٍ في عَسِيبِ يَماني{[3757]} ؟
وقال الزجّاج : زبرت كتبت ، وذبرت بالذال ، قرأت ، و «المنير » : وزنه مفعل من النور أي سطع نوره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.