التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (9)

ثم بين - سبحانه - الحكمة من إرساله - صلى الله عليه وسلم - فقال : { لِّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } .

وقوله : { وَتُعَزِّرُوهُ } من التعزيز بمعنى النصرة مع التعظيم والتفخيم .

وقوله : { وَتُوَقِّرُوهُ } أى : تعظموه وتقدروه .

وقوله : { وَتُسَبِّحُوهُ } من التسبيح بمعنى التنزيه . تقول : سبحت الله - تعالى - أى : نزهته عما لا يليق به ، و { بُكْرَةً } أول النهار ، و { أَصِيلاً } آخره ، المراد ظاهرهما ، أو جميع أوقات النهار ، كما يقال : شرقا وغربا لجميع الجهات .

والخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولأمته ، كقوله - تعالى - : { ياأيها النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء . . . } والقراءة بتاء الخطاب ، هى قراءة الجمهور من القراء .

قال الآلوسى : وهو من باب التغليب ، غلب فيه المخاطب على الغائب فيفيد أن النبى - صلى الله عليه وسلم - مخاطب بالإِيمان برسالته كأمته . .

أى : أرسلناك - أيها الرسول الكريم - شاهدا ومبشرا ونذيرا ، لتكون على رأس المؤمنين بما أرسلناك به ، وليتبعك فى ذلك اصحابك ومن سيأتى بعدهم ، بأن يؤمنوا بالله ورسوله إيمانا حقا ، ولينصروك ويعظموك ، وليسبحوا الله - تعالى - فى الصباح والمساء . وعلى هذا يكون الضمير فى قوله - تعالى - : { وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } يعود إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفى قوله { وَتُسَبِّحُوهُ } يعود إلى الله - تعالى - .

قال القرطبى ما ملخصه : قرأ ابن كثير وأبو عمرو { ليؤمنوا } وكذلك { يعزروه ويوقروه ويسبحوه } كله بالياء على الخبر . .

وقرأ الباقون بالتاء فى الخطاب . . والهاء فى قوله : { وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } للنبى - صلى الله عليه وسلم - وهنا وقف تام . ثم تبتدئ بقوله : { وَتُسَبِّحُوهُ } أى : تسبحوا الله بكرة وأصيلا .

وقيل : الضمائر كلها لله - تعالى - فعلى هذا يكون تأويل : { وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } أى : تثبتوا له صحة الربوبية ، وتنفوا عنه أن يكون له ولد أو شريك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (9)

ثم يلتفت بالخطاب إلى المؤمنين ، يكشف لهم عن الغاية المرجوة لهم من الرسالة . إنها الإيمان بالله ورسوله ، ثم النهوض بتكاليف الإيمان ، فينصرون الله بنصرة منهجه وشريعته ، ويوقرونه في نفوسهم بالشعور بجلاله ؛ وينزهونه بالتسبيح والتحميد طرفي النهار في البكور والأصيل ، وهي كناية عن اليوم كله ، لأن طرفي النهار يضمان ما بينهما من آونة . والغرض هو اتصال القلب بالله في كل آن . فهذه هي ثمرة الإيمان المرجوة للمؤمنين من إرسال الرسول شاهدا ومبشرا ونذيرا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (9)

ثم اختلفت القرّاء في قراءة قوله : لِتُؤْمِنُوا باللّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهِ فقرأ جميع ذلك عامة قرّاء الأمصار خلا أبي جعفر المدني وأبي عمرو بن العلاء ، بالتاء لِتُؤْمِنُوا ، وتُعَزّرُوهُ ، وَتُوَقّرُوهُ ، وَتُسَبّحُوهُ بمعنى : لتؤمنوا بالله ورسوله أنتم أيها الناس . وقرأ ذلك أبو جعفر وأبو عمرو كله بالياء «لِيُؤْمِنُوا ، ويُعَزّرُوهُ ، ويُوَقّرُوهُ ، ويُسَبّحُوهُ » بمعنى : إنا أرسلناك شاهدا إلى الخلق ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزّروه .

والصواب من القول في ذلك : إن يقال : إنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّا أرْسَلْناكَ شاهِدا وَمُبَشّرا وَنَذِيرا يقول : شاهدا على أمته على أنه قد بلغهم ومبشرا بالجنة لمن أطاع الله ، ونذيرا من النار .

وقوله : وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : تجلّوه ، وتعظموه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَيُعَزّرُوهُ يعني : الإجلال وَيُوَقّرُوهُ يعني : التعظيم .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَيُعَزّرُوهُ وَيُوَقّرُوهُ كل هذا تعظيم وإجلال .

وقال آخرون : معنى قوله : وَيُعَزّرُوهُ : وينصروه ، ومعنى وَيُوَقّرُوهُ ويفخموه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَيُعَزّرُوهُ : ينصروه وَيُوَقّرُوهُ أمر الله بتسويده وتفخيمه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَيُعَزّرُوهُ قال : ينصروه ، ويوقروه : أي ليعظموه .

حدثني أبو هريرة الضّبَعيّ ، قال : حدثنا حرميّ ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، جعفر بن أبي وحشية ، عن عكرِمة وَيُعَزّرُوهُ قال : يقاتلون معه بالسيف .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثني هشيم ، عن أبي بشر ، عن عكرِمة ، مثله .

حدثني أحمد بن الوليد ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، عن سعيد ، عن أبي بشر ، عن عكرِمة ، بنحوه .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ومحمد بن جعفر ، قالا : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن عكرِمة ، مثله .

وقال آخرون : معنى ذلك : ويعظموه . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَيُعَزّرُوهُ وَيُوَقّرُوهُ قال : الطاعة لله .

وهذه الأقوال متقاربات المعنى ، وإن اختلفت ألفاظ أهلها بها . ومعنى التعزير في هذا الموضع : التقوية بالنّصرة والمعونة ، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال .

وقد بيّنا معنى ذلك بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

فأما التوقير : فهو التعظيم والإجلال والتفخيم .

وقوله : وَتُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلاً يقول : وتصلوا له يعني لله بالغدوات والعشيات . والهاء في قوله : وَتُسَبّحُوهُ من ذكر الله وحده دون الرسول . وقد ذُكر أن ذلك في بعض القراءات : «وَيُسَبّحُوا اللّهَ بُكْرَةً وأصِيلاً » . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة «وَيُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلاً » في بعض القراءة «ويسبّحوا الله بكرة وأصيلاً » .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في بعض الحروف «وَيُسَبّحُوا اللّهَ بُكْرَةً وَأصِيلاً » .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : «وَيُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلاً » يقول : يسبحون الله رجع إلى نفسه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (9)

{ لتؤمنوا بالله ورسوله } الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والأمة ، أو لهم على أن خطابه منزل منزلة خطابهم . { وتعزروه } وتقووه بتقوية دينه ورسوله { وتوقروه } وتعظموه . { وتسبحوه } وتنزهوه أو تصلوا له . { بكرة وأصيلا } غدوة وعشيا أو دائما . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو الأفعال الأربعة بالياء ، وقرئ " تعزروه " بسكون العين " وتعزروه " بفتح التاء وضم الزاي وكسرها و " تعززوه " بالزاءين " وتوقروه " من أوقره بمعنى وقره .