والضمير فى قوله - تعالى - : { إِذْ جَآءَتْهُمُ الرسل مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله . . . } يعود إلى قوم عاد وثمود .
والمراد بالرسل : هود وصالح - عليهما السلام - من باب إطلاق الجمع على الاثنين ، أو من باب إدخال من آمن بهما معهما فى المجئ إلى هؤلاء الأقوام لدعوتهم إلى عبادة الله وحده .
وقوله : { إِذْ جَآءَتْهُمُ الرسل . . . } حال من قوله { صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } وقوله { مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } متعلق بجاءتهم .
والمراد بالجملة الكريمة : أن الرسل بذلوا كل جهدهم فى إرشاد قوم عاد وثمود إلى الحق ولم يتركوا وسيلة إلا اتبعوها معهم وبينوا لهم بأساليب متعددة حسن عاقبة المؤمنين وسوء عاقبة الكافرين .
وقوله : { أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله } بيان لما نصح به الرسل أقوامهم و " أن " يصح أن تكون مصدرية ، أى : بأن لا تعبدوا إلا الله ، ويصح أن تكون مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف . أو تفسيرية لأن مجئ الرسل يتضمن قولا .
أى جاء الرسل إلى قوم عاد وثمود بكل دليل واضح على وجوب إخلاص العبادة لله ، ولم يتركوا وسيلة إلا اتبعوها معهم ، وقالوا لهم : اجعلوا عبادتكم لله - تعالى - وحده .
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : قوله : { إِذْ جَآءَتْهُمُ الرسل مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِم . . . }
أى : أتوهم من كل جانب ، واجتهدوا بهم ، واعملوا فيهم كل حيلة ، فلم يروا منهم إلا العتو والإعراض ، كما حكى الله - تعالى - عن الشيطان أنه قال : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ . . . } يعنى لآتينهم من كل جهة ، ولأعملن فيهم كل حيلة .
وعن الحسن : أنذروهم بعذاب الله الدنويى والأخروى .
وقيل معناه : إذ جاءتهم الرسل من قبلهم ومن بعدهم ، بمعنى أن هودا وصالحا قد أمروهم بالإيمان بهما وبجميع الرسل الذين من قبلهم والذين من بعدهم ، فكأن الرسل جميعا قد جاءهم .
وقوله - تعالى - : { قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } حكاية للرد السيئ الذى رد به قوم عاد وثمود على رسلهم .
ومفعول المشيئة محذوف أى : قال هؤلاء الكافرون لرسلهم على سبيل التكذيب لهم ، والتهكم بهم . أنتم لستم رسلا ، ولو شاء الله - تعالى - أن يرسل إلينا رسلا لأرسل ملائكة ، وما دام الأمر كذلك فإنا بما أرسلتم به - أيها الرسل - كافرون ، وإلى ما تدعونا إليه مكذبون .
والسبب الذى حمل هؤلاء الجاهلين على هذا القول : زعمهم أن الرسل لا يكونون من البشر ، مع أن كل عقل سليم يؤيد أن الرسول لا يكون إلا من البشر كما قال - تعالى - : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ . . . }
وقوله : إذْ جاءَتُهُمْ الرّسُلُ مِنْ بَيْنِ أيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ يقول : فقل : أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود التي أهلكتهم ، إذ جاءت عادا وثمود الرسل من بين أيديهم فقوله «إذ » من صلة صاعقة . وعنى بقوله : مِنْ بَينِ أيْدِيهِمْ الرسل التي أتت آباء الذين هلكوا بالصاعقة من هاتين الأمتين . وعنى بقوله : وَمِنْ خَلْفِهِمْ : من خلف الرسل الذين بعثوا إلى آبائهم رسلاً إليهم ، وذلك أن الله بعث إلى عاد هودا ، فكذّبوه من بعد رسل قد كانت تقدمته إلى آبائهم أيضا ، فكذّبوهم ، فأهلكوا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فإن أعْرَضُوا . . . إلى قوله : وَمِنْ خَلْفِهِمْ قال : الرسل التي كانت قبل هود ، والرسل الذين كانوا بعده ، بعث الله قبله رسلاً ، وبعث من بعده رسلاً .
وقوله : ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ اللّهَ يقول تعالى ذكره : جاءتهم الرسل بأن لا تعبدوا إلا الله وحده لا شريك له ، قالوا : لَوْ شاءَ رَبّنا لأَنْزَلَ مَلائِكَةً يقول جلّ ثناؤه : فقالوا لرسلهم إذ دعوهم إلى الإقرار بتوحيد الله : لو شاء ربنا أن نوحده ، ولا نعبد من دونه شيئا غيره ، لأنزل إلينا ملائكة من السماء رسلاً بما تدعوننا أنتم إليه ، ولم يرسلكم وأنتم بشر مثلنا ، ولكنه رضى عبادتنا ما نعبد ، فلذلك لم يرسل إلينا بالنهي عن ذلك ملائكة .
وقوله : فإنّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ يقول : قال لرسلهم : فإنا بالذي أرسلكم به ربكم إلينا جاحدون غير مصدّقين به .
وقوله : { من بين أيديهم } أي قد تقدموا في الزمن واتصلت نذارتهم إلى أعمار عاد وثمود ، وبهذا الاتصال قامت الحجة .
وقوله : { من خلفهم } أي جاءهم رسول بعد اكتمال أعمارهم وبعد تقدم وجودهم في الزمن ، فلذلك قال : { ومن خلفهم } وجاء من مجموع العبارة إقامة الحجة عليهم في أن الرسالة والنذارة عمَّتهم خبراً ومباشرة ، ولا يتوجه أن يجعل { ومن خلفهم } عبارة عما أتى بعدهم في الزمن ، لأن ذلك لا يلحقهم منه تقصير ، وأما الطبري فقال : الضمير في قوله : { ومن خلفهم } عائد على الرسل ، والضمير في قوله : { من بين أيديهم } على الأمم ، وتابعه الثعلبي ، وهذا غير قوي لأنه يفرق الضمائر ويشعب المعنى . و { أن } في قوله : { ألا تعبدوا } نصب على إسقاط الخافض ، التقدير : «بأن » . و { تعبدوا } مجزوم على النهي ، ويتوجه أن يكون منصوباً على أن تكون { لا } نافية ، وفيه بعد . وكان من تلك الأمم إنكار بعثة البشر واستدعاء الملائكة ، وهذه أيضاً كانت من مقالات قريش .
وقوله : { فإنا بما أرسلتم به } ليس على جهة الإقرار بأنهم أرسلوا بشيء ، وإنما معناه على زعمكم ودعواكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.