التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

ثم بين - سبحانه - الأسباب التى حملتهم على أن يقولوا فى القرآن ما قالوا ، فقال : { كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونِ } .

وقوله : { بَلْ رَانَ } قرأه الجمهور بإدغام اللام فى الراء بعد قلبها راء لتقارب مخرجيهما ، وقرأه عاصم بالوقف الخفيف على لام بل والابتداء بكلمة ران بدون إدغام .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

وقوله : كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ يقول تعالى ذكره مكذّبا لهم في قيلهم ذلك : كلا ، ما ذلك كذلك ، ولكنه ران على قلوبهم يقول : غلب على قلوبهم وغَمَرها ، وأحاطت بها الذنوب فغطتها يقال منه : رانت الخمر على عقله ، فهي تَرِين عليه رَيْنا ، وذلك إذا سكر ، فغلبت على عقله ومنه قول أبي زُبيد الطائي :

ثُمّ لَمّا رآهُ رَانَتْ بِهِ الخَم *** رُ وأنْ لا تَرِينَهُ باتّقاءِ

يعني ترينه بمخافة ، يقول : سكر فهو لا ينتبه ومنه قول الراجز :

لمْ نَرْوَ حتى هَجّرَتْ وَرِينَ بِيوَرِينَ بالسّاقي الّذي أمْسَى مَعِي

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاء الأثَر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو خالد ، عن ابن عجلان ، عن القَعْقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هُرَيرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذَا أذْنَبَ العَبْدُ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فإنْ تابَ صُقِلَ مِنْها ، فإنْ عادَ عادَتْ حتى تَعْظُمْ فِي قَلْبِهِ ، فَذلكَ الرّانُ الّذي قالَ اللّهُ كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ » .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا صفوان بن عيسى ، قال : حدثنا ابن عَجلان ، عن القَعقاع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ المُؤْمِنَ إذَا أذْنَبَ ذَنْبا كانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ ، فإن تابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صَقَلَتْ قَلْبَهُ ، فإنْ زَادَ زادَتْ حتى تَعْلُوَ قَلْبَهُ ، فَذَلكَ الرّانُ الّذي قالَ اللّهُ : كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ » .

حدثني عليّ بن سهيل ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن محمد بن عَجْلان ، عن القَعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «إنّ الْعَبْدَ إذَا أذْنَبَ ذَنْبا كانَتْ نُكْتَةٌ سَوْداءُ فِي قَلْبِهِ ، فإنْ تابَ مِنْها صُقِلَ قَلْبُهُ ، فإنْ زَادَ زَادَتْ ، فَذلكَ قَوْلُ اللّهِ : كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ » .

حدثني أبو صالح الضّراري محمد بن إسماعيل ، قال : أخبرني طارق بن عبد العزيز ، عن ابن عجلان ، عن القعقاع ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الْعَبْدَ إذَا أخْطأَ خَطيئَةً كانَتْ نُكْتَةٌ فِي قَلْبِهِ ، فإنْ تابَ واسْتَغْفَرَ وَنَزَعَ صَقَلَتْ قَلْبَهُ ، وَذَلكَ الرّانُ الّذِي ذَكَرَ اللّهُ كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ قال أبو صالح : كذا قال : صقلت ، وقال غيره : سَقَلت .

حدثني علي بن سهل الرمليّ ، قال : حدثنا الوليد ، عن خُلَيد ، عن الحسن ، قال : وقرأ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ قال : الذنب على الذنب حتى يموت قلبه .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ قال : الذنب على الذنب حتى يعمَى القلب فيموت .

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن مجاهد كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانوا يَكْسِبُونَ قال : العبد يعمل بالذنوب ، فتحيط بالقلب ، ثم ترتفع ، حتى تغشى القلب .

حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرمليّ ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، قال : أرانا مجاهد بيده ، قال ، كانوا يرون القلب في مثل هذا ، يعني الكفّ ، فإذا أذنب العبد ذنبا ضمّ منه ، وقال بأصبعه الخنصر هكذا ، فإذا أذنب ضمّ أصبعا أخرى ، فإذا أذنب ضمّ أصبعا أخرى ، حتى ضمّ أصابعه كلها ، ثم يطبع عليه بطابع ، قال مجاهد : وكانوا يرون أن ذلك الرّيْن .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، قال : القلب مثل الكفّ ، فإذا أذنب الذنب قبض أصبعا ، حتى يقبض أصابعه كلها ، وإن أصحابنا يرون أنه الران .

حدثنا أبو كريب مرّة أخرى بإسناده عن مجاهد ، قال : القلب مثل الكفّ ، وإذا أذنب انقبض ، وقَبَض أصبعه ، فإذا أذنب انقبض ، حتى ينقبض كله ، ثم يطبع عليه ، فكانوا يرون أن ذلك هو الران كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ قال : الخطايا حتى غمرته .

حدثنا الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ انبثت على قلبه الخطايا حتى غمرته .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ يقول : يطبع .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ قال : طبع على قلوبهم ما كسبوا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن طلحة ، عن عطاء كَلاّ بَلْ رَانَ عَلَى قِلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ قال : غَشِيت على قلوبهم فهوت بها ، فلا يفزعون ، ولا يتحاشَون .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الحسن كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ قال : هو الذنب حتى يموت القلب .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ قال : الران : الطبع يطبع القلب مثل الراحة ، فيذنب الذنب ، فيصير هكذا ، وعقد سفيان الخنصر ، ثم يذنب الذنب فيصير هكذا ، وقَبض سفيان كفه ، فيُطْبعَ عليه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ أعمال السوء ، إي والله ذنب على ذنب ، وذنب على ذنب حتى مات قلبه واسودّ .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ قال : هذا الذنب على الذنب ، حتى يَرِين على القلب فيسودّ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ قال : غلب على قلوبهم ذُنُوبهم ، فلا يَخْلُص إليها معها خير .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ قال : الرجل يذنب الذنب ، فيحيط الذنب بقلبه ، حتى تَغْشَى الذنوب عليه . قال مجاهد : وهي مثل الاَية التي في سورة البقرة بَلى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً وأحاطَتْ بهِ خَطيئَتُهُ فأُولَئِكَ أصحَابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

وقوله تعالى : { كلا } زجر ورد لقولهم : { أساطير الأولين } ، ثم أوجب أن ما كسبوا من الكفر والطغيان ، والعتو ، قد { ران على قلوبهم } ، أي غطى عليها وغلب فهم مع ذلك لا يبصرون رشداً ولا يخلص إلى قلوبهم خير ، ويقال : رانت الخمر على عقل شاربها وران الغش على قلب المريض ، وكذلك الموت ، ومنه قول الشاعر : [ الخفيف ]

ثم لما رآه رانت به الخمر وإن لا يرينه باتقاء{[11683]}*** والبيت لأبي زيد ، وقال الحسن وقتادة : الرين الذنب على الذنب حتى يموت القلب ، ويروى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن الرجل إذا أذنب صارت نقطة سوداء على قلبه ثم كذلك حتى يتغطى » فذلك الرين الذي قال الله تعالى : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون }{[11684]} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر : { بل ران } بإدغام في الراء ، وقرأ نافع : { بل ران } غير مدغمة ، وقرأ عاصم : { بل } ويقف ثم بيتدئ { ران } ، وقرأ حمزة والكسائي : الإدغام وبالإمالة في { ران } ، وقرأ نافع أيضاً : بالإدغام ، والإمالة ، قال أبو حاتم : القراءة بالفتح والإدغام ، وعلق اللوم بهم فيما كسبوه وإن كان ذلك يخلق منه واختراع لأن الثواب والعقاب متعلق بكسب العبد


[11683]:البيت في اللسان (ران) منسوبا لأبي زبيد، وقد استشهد به أبو عبيدة في (مجاز القرآن)، وهو في وصف سكران غلبت عليه الخمر، يقال: رانت به الخمر، أي غلبت على قلبه وعقله، وكل ما غلبك وعلاك فقد ران بك وران عليك.
[11684]:أخرجه أحمد، وعبد بن حميد، والحاكم، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه وابن جرير، وابن حبان، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه.