التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ} (4)

لما كان الأمر كذلك ، وصف - سبحانه - هؤلاء المكذبين بالبعث والجزاء بأوصاف أخرى ، فقال : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ . الذين هُمْ يُرَآءُونَ . وَيَمْنَعُونَ الماعون } .والفاء في قوله : { فَوَيْلٌ } للتفريع والتسبب ، والويل : الدعاء بالهلاك والعذاب الشديد .

وهو مبتدأ ، وقوله { لِّلْمُصَلِّينَ } خبره ، والمراد بالسهو هنا : الغفلة والترك وعدم المبالاة .

أى : فهلاك شديد ، وعذاب عظيم ، لمن جمع هذه الصفات الثلاث ، بعد تكذيبه بيوم الدين ، وقسوته على اليتيم ، وامتناعه عن إطعام المسكين .

وهذه الصفات الثلاث أولها : الترك للصلاة ، وعدم المبالاة بها ، والإِخلال بشروطها وأركانها وسننها وآدابها .

وثانيها : أداؤها رياء وخداعا ، لا عن إخلاص وطاعة لله رب العالمين ، كما قال - تعالى - :

{ إِنَّ المنافقين يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُواْ كسالى يُرَآءُونَ الناس وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلاً }

وثالثها : منع الماعون : أي منع الخير والمعروف والبر عن الناس . فالمراد بمنع الماعون : مع كل فضل وخير عن سواهم . فلفظ " الماعون " أصله " معونة " ، والألف عوض من الهاء . والعون : هو مساعدة الغير على بلوغ حاجته . . فالمراد بالماعون : ما يستعان به على قضاء الحوائج ، من إناء ، أو فأس ، أو نار ، أو ما يشبه ذلك .

ومنهم من يرى أن المراد بالماعون هنا : الزكاة ؛ لأنه جرت عادة القرآن الكريم أن يذكر الزكاة بعد الصلاة .

قال الإِمام ابن كثير : قوله : { وَيَمْنَعُونَ الماعون } أى : لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه ، حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ، ويستعان به ، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم ، فهؤلاء لمنع الزكاة ومنع القربات أولى وأولى . .

وسئل ابن مسعود عن الماعون فقال : هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقِدْر . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ} (4)

وقوله : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلّينَ الّذِين هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } يقول تعالى ذكره : فالوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم للمنافقين الذين يصلون ، لا يريدون الله عزّ وجلّ بصلاتهم ، وهم في صلاتهم ساهون إذا صلوها .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } فقال بعضهم : عُنِي بذلك أنهم يؤخّرونها عن وقتها ، فلا يصلونها إلا بعد خروج وقتها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا سكن بن نافع الباهلي ، قال : حدثنا شعبة ، عن خلف بن حَوْشَبِ ، عن طلحة بن مُصَرّف ، عن مصعب بن سعد ، قال : قلت لأبي ، أرأيت قول الله عزّ وجلّ : { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } : أيه تركها ؟ قال : لا ، ولكن تأخيرها عن وقتها .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن هشام الدّسْتَوائي ، قال : حدثنا عاصم بن بهدلة . عن مصعب بن سعد ، قال : قلت لسعد : { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } : أهو ما يحدّث به أحدنا نفسه في صلاته ؟ قال : لا ، ولكن السهو أن يؤخّرها عن وقتها .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن مصعب بن سعد { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : السهو : الترك عن الوقت .

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا عمران بن تمام البُنَانيّ ، قال : حدثنا أبو جمرة الضّبَعِيّ نصر بن عمران ، عن ابن عباس ، في قوله : { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : الذين يؤخّرونها عن وقتها .

وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن ابن أبزى : { فويل للمصلين الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : الذين يُؤّخرون الصلاة المكتوبة ، حتى تخرج من الوقت أو عن وقتها .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : الترك لوقتها .

حدثني أبو السائب ، قال : ثني أبو معاوية ، عن الأَعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، في قوله : { الّذِينَ هُم عَنْ صْلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : تضييع مِيقاتها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : ترك المكتوبة لوقتها .

حدثنا ابن البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، قال : أخبرني ابن زَحْر ، عن الأعمش ، عن مسلم بن صبيح { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } الذين يضيعونها عن وقتها .

وقال آخرون : بل عُني بذلك أنهم يتركونها فلا يصلونها . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلّينَ الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } فهم المنافقون كانوا يراؤون الناس بصلاتهم إذا حضروا ، ويتركونها إذا غابوا ، ويمنعونهم العارية بغضا لهم ، وهو الماعون .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : هم المنافقون يتركون الصلاة في السرّ ، ويصلون في العلانية .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : الترك لها .

وقال آخرون : بل عُني بذلك أنهم يتهاونون بها ، ويتغافلون عنها ويَلْهُونَ . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : لاهون .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } : غافلون .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : ساهٍ عنها ، لا يبالي صلّى أم لم يصلّ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ } ساهُونَ يصلون ، وليست الصلاة من شأنهم .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : يتهاونون .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب بقوله : ساهُونَ : لاهون يتغافلون عنها ، وفي اللهو عنها والتشاغل بغيرها ، تضييعها أحيانا ، وتضييع وقتها أخرى . وإذا كان ذلك كذلك صحّ بذلك قول من قال : عُنِي بذلك ترك وقتها ، وقول من قال : عُنِي به تركها ، لما ذكرت من أن في السهو عنها المعاني التي ذكرت .

وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك خبران يؤيدان صحة ما قلنا في ذلك :

أحدهما ما حدثني به زكريا بن أبان المصريّ ، قال : حدثنا عمرو بن طارق ، قال : حدثنا عكرِمة بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الملك بن عُمَير ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم ، عن { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } قال : «هم الذين يؤخّرون الصلاة عن وقتها » .

والآخر منهما ما حدثني به أبو كُرَيب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن شبيان النحويّ ، عن جابر الجُعْفِيّ ، قال : ثني رجل ، عن أبي بَرْزة الأسلميّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما نزلت هذه الاَية : { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } : «الله أكبرُ هذه خيرٌ لكم من أن لو أُعطيَ كلّ رجل منكم مثلَ جميع الدنيا ، هو الذي إن صلى لم يرجُ خير صلاته ، وإن تركها لم يخف ربه » .

حدثني أبو عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سمعت عمر بن سليمان يحدّث عن عطاء بن دينار أنه قال : الحمد لله الذي قال : { الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ } .

وكلا المعنيين اللذين ذكرت في الخبرين اللذين روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم محتمل عن معنى السهو عن الصلاة .

   
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ} (4)

موقع الفاء صريح في اتصال ما بعدها بما قبلها من الكلام على معنى التفريع والترتب والتسبب . فيجيء على القول : إن السورة مكية بأجمعها أن يكون المراد بالمصلين عينَ المراد بالذي يكذب بالدين ، ويدُعّ اليتيم ، ولا يحض على طعام المسكين ، فقوله { للمصلين } إظهار في مقام الإِضمار كأنه قيل : فويل له على سهوه عن الصلاة ، وعلى الرياء ، وعلى منع الماعون ، دعا إليه زيادة تعداد صفاته الذميمة بأسلوب سليم عن تتابع ستِّ صفات لأن ذلك التتابع لا يخلو من كثرة تكرار النظائر فيشبه تتابع الإِضافات الذي قيل إنه مُناكد للفصاحة ، مع الإِشارة بتوسط ويل له إلى أن الويل ناشىء عن جميع تلك الصفات التي هو أهلها وهذا المعنى أشار إليه كلام « الكشاف » بغموض .

فوصفهم ب« المصلين » إِذَنْ تهكم ، والمراد عدمه ، أي الذين لا يصلون ، أي ليسوا بمسلمين كقوله تعالى : { قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين } [ المدثر : 43 ، 44 ] وقرينة التهكم وصفهم ب { الذين هم عن صلاتهم ساهون } .

وعلى القول بأنها مدنية أو أن هذه الآية وما بعدها منها مدنية يكون المراد { بالمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } المنافقين . وروَى هذا ابنُ وهب وأشهبُ عن مالك ، فتكون الفاء في قوله : { فويل للمصلين } من هذه الجملة لربطها بما قبلها لأن الله أراد ارتباط هذا الكلام بعضه ببعض .

وجيء في هذه الصفة بصيغة الجمع لأن المراد ب { الذي يكذب بالدين } : جنس المكذبين على أظهر الأقوال . فإن كان المراد به معيناً على بعض تلك الأقوال المتقدمة كانت صيغة الجمع تذييلاً يشمله وغيره فإنه واحد من المتصفين بصفة ترك الصلاة ، وصفة الرياء ، وصفة منع الماعون .