التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الكافرون

مقدمة وتمهيد

1- سورة " الكافرون " تسمى –أيضا- سورة " المقَشْقِشَة " أي : المبرئة من الشرك ، وسورة " العبادة " وسورة " الدين " .

وهي من السور المكية عند الجمهور ، وكان نزولها بعد سورة " الماعون " وقبل سورة " الفيل " .

وقيل : إنها مدنية ، وعدد آياتها ست آيات .

2- وقد ذكروا في سبب نزولها روايات منها ما ذكره ابن إسحاق عن ابن عباس ، أن جماعة من زعماء المشركين أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : هلم فلنعبد إلهك مدة ، وأنت تعبد آلهتنا مدة ، فيحصل بذلك الصلح بيننا وبينك . . فنزلت هذه السورة .

3- وقد ذكر الإمام ابن كثير بعض الأحاديث التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها كثيرا في صلاة ركعتي الفجر ، ومن ذلك ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورة " الكافرون " وسورة " قل هو الله أحد " في ركعتي الفجر . . ( {[1]} ) .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين الذين جاؤوك ليساوموك على أن تعبد آلهتهم مدة ، وهم يعبدون إلهك مدة أخرى . . قل لهم على سبيل الحزم والتأكيد : " لا أعبد " أنا الذى تعبدونه من آلهة باطلة ، ولا أنتم عابدون الإِله الحق الذى أعبده ، لجهلكم وجحودكم ، وعكوفكم على ما كان عليه آباؤكم من ضلال .

وافتتحت السورة الكريمة بفعل الأمر " قل " للاهتمام لما سيأتى بعده من كلام المقصود منه إبلاغه إليهم ، وتكليفهم بالعمل به .

ونودوا بوصف الكافرين ؛ لأنهم كانوا كذلك ، ولأن في هذا النداء تحقيرا واستخفافا بهم .

و " ما " هنا موصولة بمعنى الذي ، وأوثرت على " مَن " لأنهم ما كانوا يشكون فى ذات الآلهة التي يعبدونها ، ولافي ذات الإله الحق الذى يعبده النبى صلى الله عليه وسلم ، وإنما كانوا يشكون فى أوصافه - تعالى - ، من زعمهم أن هذه الأصنام ما يعبدونها إلا من أجل التقرب إليه .

ويقولون : { هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله } مع أن الله - تعالى - منزه عن ذلك ، فالمقصود من " ما " هنا : الصفة ، وليس الذات ، فكأنه قال : لا أعبد الباطل الذي تعبدونه ، وأنتم لجهلكم لا تعبدون الإله الحق الذى أعبده .

وقوله - تعالى - : { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ . وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } تأكيد وتقرير لما اشتمل عليه الكلام السابق . . " وما " هنا مصدرية ، فكأنه قبل : ولا أنا عابد عبادتكم ، ولا أنتم عابدون عبادتى .

فالآيتان السابقتان تنفيان الاتحاد بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم في المعبود ، وهاتان الآيتان تنفيان الاتحاد في العبادة ، والمقصود من ذلك المبالغة التامة في البراءة من معبوداتهم الباطلة ، ومن عبادتهم الفاسدة ، وأنه صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين ، لا يعبدون إلا الله - عز وجل - ، وهم بذلك يكونون قد اهتدوا إلى العبادة الصحيحة .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ يَأَيّهَا الْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مّا عَبَدتّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان المشركون من قومه -فيما ذُكر- عرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة ، على أن يعبد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم آلهتهم سنة ، فأنزل الله مُعَرّفه جوابهم في ذلك : قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوك عبادة آلهتهم سنة ، على أن يعبدوا إلهك سنة يا أيّها الكافِرُونَ بالله لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ من الآلهة والأوثان الآن ، وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ الآن ، وَلا أنا عابِدٌ فيما أستقبل ما عَبَدْتُمْ فيما مضى ، وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ فيما تستقبلون أبدا ما أعْبُدُ أنا الآن ، وفيما أستقبل . وإنما قيل ذلك كذلك ؛ لأن الخطاب من الله كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين ، قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا ، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه ، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُؤَيّسَهم من الذي طمعوا فيه ، وحدّثوا به أنفسهم ، وأن ذلك غير كائن منه ولا منهم ، في وقت من الأوقات ، وآيسَ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم من الطمع في إيمانهم ، ومن أن يفلحوا أبدا ، فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا ، إلى أن قُتِل بعضُهم يوم بدر بالسيف ، وهلك بعض قبل ذلك كافرا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاءت به الآثار . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن موسى الحَرَشِيّ ، قال : حدثنا أبو خلف ، قال : حدثنا داود ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس : إن قريشا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالاً ، فيكون أغنى رجل بمكة ، ويزوّجوه ما أراد من النساء ، ويَطئوا عَقِبه ، فقالوا له : هذا لك عندنا يا محمد ، وكُفّ عن شتم آلهتنا ، فلا تذكرها بسوء ، فإن لم تفعل ، فإنا نعرض عليك خَصْلة واحدة ، فهي لك ولنا فيها صلاح ، قال : «ما هي ؟ » قالوا : تعبد آلهتنا سنة : اللات والعزّي ، ونعبد إلهك سنة ، قال : «حتى أنظُرَ ما يأْتي مِنْ عِنْدَ رَبّي » ، فجاء الوحي من اللوح المحفوظ : { قُلْ يا أيّها الْكافِرُونَ } السورة ، وأنزل الله : { قُلْ أفَغَيْرَ أللّهِ تَأْمُرونِي أعْبُدُ أيّها الجاهِلُونَ } . . . إلى قوله : { فاعْبُدْ وكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ } .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني سعيد بن ميناء مولى البَخْتَريّ ، قال : لقي الوليد بن المُغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، وأميّة بن خلف ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا محمد ، هلمّ فلنعبدْ ما تعبد ، وتعبدْ ما نعبد ، ونُشركَك في أمرنا كله ، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد شَركناك فيه ، وأخذنا بحظنا منه ، وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك ، كنت قد شَرِكتنا في أمرنا ، وأخذت منه بحظك ، فأنزل الله : { قُلْ يا أيّها الْكافِرُونَ } حتى انقضت السورة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الكافرون مكية ، وآيها ست آيات .

بسم الله الرحمن الرحيم { قل يا أيها الكافرون } يعني كفرة مخصوصين قد علم الله منهم أنهم لا يؤمنون .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

عنونت هذه السورة في المصاحف التي بأيدينا قديمها وحديثها وفي معظم التفاسير { سورة الكافرون } بإضافة { سورة } إلى { الكافرون } وثبوت واو الرفع في { الكافرون } على حكاية لفظ القرآن الواقع في أولها .

ووقع في الكشاف وتفسير ابن عطية وحرز الأماني { سورة الكافرون } بياء الخفض في لفظ { الكافرين } بإضافة { سورة } إليه أن المراد سورة ذكر الكافرين ، أو نداء الكافرين ، وعنونها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه سورة { قل يا أيها الكافرون } .

قال في الكشاف والإتقان : وتسمى هي وسورة قل هو الله أحد بالمقشقشتين لأنهما تشقشقان من الشرك أي تبرئان منه يقال : قشقش ، إذ أزال المرض .

وتسمى أيضا سورة الإخلاص فيكون هذان الاسمان مشتركين بينها وبين سورة قل هو الله أحد .

وقد ذكر في سورة براءة أن سورة براءة تسمى المقشقشة لأنها تقشقش ، أي تبرئ من النفاق فيكون هذا مشتركا بين السور الثلاث فيحتاج إلى التمييز .

وقال سعد الله المعروف بسعدي عن جمال القراء أنها تسمى سورة العبادة وفي بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي تسمى { سورة الدين } .

وهي مكية بالاتفاق في حكاية ابن عطية وابن كثير ، وروي عن ابن الزبير أنها مدنية .

وقد عدت الثامنة عشرة في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الماعون وقبل سورة الفيل .

وعدد آياتها ست .

أغراضها

وسبب نزولها فيما حكاه الواحدي في أسباب النزول وابن إسحاق في السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف في الكعبة فاعترضه الأسود بن المطلب بن أسد ، والوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل . وكانوا ذوي أسنان في قومهم فقالوا : يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد سنة وتعبد ما نعبد سنة فنشترك نحن وأنت في الأمر ، فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظه منا وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه فقال : معاذ الله أن أشرك به غيره ، فأنزل الله فيهم { قل يا أيها الكافرون } السورة كلها فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقرأها عليهم فيئسوا منه عند ذلك وإنما عرضوا عليه ذلك لأنهم رأوا حرصه على أن يؤمنوا فطمعوا أن يستزلوه إلى الاعتراف بإلهية أصنامهم .

وعن ابن عباس : فيئسوا منه وآذوه وآذوا أصحابه .

وبهذا يعلم الغرض الذي اشتملت عليه وأنه تأييسهم من أن يوافقهم في شيء مما هم عليه من الكفر بالقول الفصل المؤكد في الحال والاستقبال وأن دين الإسلام لا يخالط شيئا من دين الشرك .

افتتاحها ب { قلْ } للاهتمام بما بعد القول بأنه كلام يراد إبلاغه إلى الناس بوجه خاص منصوص فيه على أنه مرسل بقول يبلغه وإلا فإن القرآن كله مأمور بإبلاغه ، ولهذه الآية نظائر في القرآن مفتتحة بالأمر بالقول في غير جوابٍ عن سؤال منها : { قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء للَّه } في سورة الجمعة ( 6 ) . والسور المفتتحة بالأمر بالقول خمس سور : { قل أوحي } [ الجن : 1 ] ، وسورة الكافرون ، وسورة الإخلاص ، والمعوّذتان ، فالثلاث الأول لقول يبلِّغه ، والمعوّذتان لقول يقوله لتعويذ نفسه .

والنداء موجه إلى الأربعة الذين قالوا للنبيء صلى الله عليه وسلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد ، كما في خبر سبب النزول وذلك الذي يقتضيه قوله : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } كما سيأتي .

وابتدىء خطابهم بالنداء لإِبلاغهم ، لأن النداء يستدعي إقبال أذهانهم على ما سيلقى عليهم .

ونُودوا بوصف الكافرين تحقيراً لهم وتأييداً لوجه التبرؤ منهم وإيذاناً بأنه لا يخشاهم إذا ناداهم بما يَكرهون مما يثير غضبهم لأن الله كفاه إياهم وعصمه من أذاهم . قال القرطبي : قال أبو بكر بن الأنباري : إن المعنى : قل للذين كفروا يا أيها الكافرون أن يعتمدهم في ناديهم فيقول لهم : يا أيها الكافرون ، وهم يغضبون من أن ينسبوا إلى الكفر .