التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَمۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٗا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِۦ يُشۡرِكُونَ} (35)

وقوله - تعالى - { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } التفات من الخطاب إلى الغيبة ، على سبيل التحقير لهم ، والتهوين من شأنهم . والاستفهام للنفى والتوبيخ .

والسلطان : الحجة والبرهان .

أى : هؤلاء الذين أشركوا معنا غيرنا فى العبادة ، هل نحن أنزلنا عليهم حجة ذات قوم وسلطان تشهد لهم بأن شركهم لا يخالف الحق ، وتنطق بأن كفرهم لا غبار عليه ؟

كلا ، إننا ما أنزلنا عليهم شيئا من ذلك ، وإنما هم الذين وقعوا فى الشرك ، بغير علم ، ولا هدى ولا كتاب منير .

فالآية الكريمة تتهكم بهم لسفههم وجهلهم ، وتنفى أن يكون شركهم مبنيا على دليل أو ما شبه الدليل ، أو أن يكون هناك من أمرهم به سوى تقاليدهم الباطلة ، وأهوائهم الفاسدة وأفكارهم الزائفة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَمۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٗا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِۦ يُشۡرِكُونَ} (35)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } .

يقول تعالى ذكره : أم أنزلنا على هؤلاء الذين يشركون في عبادتنا الاَلهة والأوثان ، كتابا بتصديق ما يقولون ، وبحقيقة ما يفعلون فَهُوَ يَتَكَلّمُ بِمَا كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ يقول : فذلك الكتاب ينطق بصحة شركهم وإنما يعني جلّ ثناؤه بذلك : أنه لم يُنْزل بما يقولون ويفعلون كتابا ، ولا أرسل به رسولاً ، وإنما هو شيء افتعلوه واختلقوه ، اتباعا منهم لأهوائهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله أمْ أنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطانا فَهُوَ يَتَكَلّمُ بِمَا كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ يقول : أم أنزلنا عليهم كتابا فهو ينطق بشركهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَمۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٗا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِۦ يُشۡرِكُونَ} (35)

{ أم أنزلنا عليهم سلطانا } حجة وقيل ذا سلطان أي ملكا مع برهان . { فهو يتكلم } تكلم دلالة كقوله { كتابنا ينطق عليكم بالحق } أو نطق . { بما كانوا به يشركون } بإشراكهم وصحته ، أو بالأمر الذي يسببه يشركون به في ألوهيته .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٗا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِۦ يُشۡرِكُونَ} (35)

{ أمْ } منقطعة ، فهي مثل ( بَل ) للإضراب هو إضراب انتقالي . وإذ كان حرف { أم } حرفَ عطف فيجوز أن يكون ما بعدها إضراباً عن الكلام السابق فهو عطف قصة على قصة بمنزلة ابتداءٍ ، والكلام توبيخ ولوم متصل بالتوبيخ الذي أفاده قوله { فتمتعوا فسوف تعلمون } [ الروم : 34 ] . وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة إعراضاً عن مخاطبتكم إلى مخاطبة المسلمين تعجيباً من حال أهل الشرك . ويجوز أن يكون ما بعدها متصلاً بقوله { بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم } [ الروم : 29 ] فهو عطف ذَم على ذم وما بينهما اعتراض .

وحيثما وقعت { أمْ } فالاستفهام مقدَّر بعدها لأنها ملازمة لمعنى الاستفهام . فالتقدير : بل أأنزلنا عليهم سلطاناً وهو استفهام إنكاري ، أي ما أنزلنا عليهم سلطاناً ، ومعنى الاستفهام الإنكاري أنه تقرير على الإنكار كأن السائل يسأل المسؤول ليقر بنفي المسؤول عنه .

والسلطان : الحجة . ولما جعل السلطان مفعولاً للإنزال من عند الله تعين أن المراد به كتاب كما قالوا { حتى تنزل علينا كتاباً نَقرؤه } [ الإسراء : 93 ] . ويتعين أن المراد بالتكلم الدلالة بالكتابة كقوله تعالى { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق } [ الجاثية : 29 ] ، أي تدل كتابته ، أي كتب فيه بقلم القدرة أن الشرك حق كقوله تعالى { أم ءاتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون } [ الزخرف : 21 ] . وقدم { به } على { يشركون } للاهتمام بالتنبيه على سبب إشراكهم الداخل في حيز الإنكار للرعاية على الفاصلة .