تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَمۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٗا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِۦ يُشۡرِكُونَ} (35)

الآية 35 وقوله تعالى : { أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون } قال بعضهم : { أم أنزلنا } بل أنزلنا عليهم سلطانا حججا { فهو يتكلم بما كانوا به يشركون } أي يبين ، ويعلمهم أن الذي هم عليه شرك ، ليس بتوحيد لأنهم كانوا يقولون : إنا على التوحيد ، وإنما نعبد هذه الأصنام { ليقربونا إلى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] { ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [ يونس : 18 ] ونحوه .

فيقول : بل أنزلنا عليهم ما يبين ، ويعلم أن ذلك شرك ، وليس بتوحيد .

ويحتمل وجها آخر ؛ وهو أن قوله : { أم أنزلنا عليهم سلطانا } أي ما أنزلنا عليهم سلطانا ، فيأمرهم { بما كانوا به يشركون } أي يأذن لهم بذلك كقوله : { أم للإنسان ما تمنى } [ النجم : 24 ] . فعلى ذلك قوله { أم أنزلنا عليهم سلطانا } أي لم ننزل عليهم سلطانا يأمرهم { بما كانوا به يشركون } إذ( {[16051]} ) كانوا يدعون بذلك أمر الله كقولهم : { والله أمرنا بها } [ الأعراف : 28 ] ففيه وجهان على أولئك الكفرة .

أحدهما : ما ذكرنا أنهم كانوا يدعون بذلك الأمر من الله ، فيخبر أنهم كذبة في قولهم : إن الله أمرهم بذلك . بل لم يأمرهم بذلك ، ولا أنزل عليهم الكتاب أو السلطان في إباحة ذلك .

والثاني : يذكر سفههم في عبادتهم الأصنام لأنهم كانوا يعبدون الأصنام ، ويسمونها آلهة بلا سلطان ولا حجة ، كانوا يطلبون على ذلك . ثم كانوا يطلبون من الرسول آيات تقهرهم ، وتضطرهم على رسالته وما يوعدهم بعد ما آتاهم من الآية ما أعلمهم ، وأنبأهم ، أنه رسول ، فالعبادة أعظم وأكبر للمعبود من الرسالة .

فإذا لم تطلبوا لأنفسكم الحجة والآية القاهرة في إباحة ما تعبدون من دون الله فكيف تطلبون من الرسول الآية القاهرة في إثبات الرسالة ؟ .

وقال بعضهم : { أم أنزلنا عليكم سلطانا } كتابا ، فيه عذر لهم ، فهو يشهد بما كانوا به يشركون .


[16051]:في الأصل وم: أو.