التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ} (18)

بين - سبحانه - بعض مظاهر فضله ونعمه على عبده داود - عليه السلام - فقال : { إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بالعشي والإشراق . . . }

والعشى : الوقت الذى يكون من الزوال إلى الغروب أو إلى الصباح . والإِشراق : وقت إشراق الشمس ، أى : سطوعها وصفاء ضوئها ، قالوا : وهو وقت الضحى . .

فالإِشراق غير الشروق ، لأن الشروق هو وقت طلوع الشمس . وهو يسبق الإِشراق أى : إن من مظاهر فضلنا على عبدنا داود ، أننا سخرنا وذللنا الجبال معه ، بأن جعلناها بقدرتنا تقتدى به فتسبح بتسبيحه فى أوقات العشى والإِشراق .

وقال - سبحانه - { معه } للإشعار بأن تسبيحها كان سبيل الاقتداء به فى ذلك ، أى : أنها إذا سمعته يسبح الله - تعالى - ويقدسه وينزهه ، رددت معه ما يقوله .

وهذا التسبيح من الجبال لله - تعالى - إنما هو على سبيل الحقيقة ولكن بكيفية لا يعلمها إلا هو - عز وجل - بدليل قوله - سبحانه - : { تُسَبِّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } والقول بأن تسبيح الجبال كان بلسان الحال ضعيف لأمور منها : المخالفة لظاهر ما تدل عليه الآية من أن هناك تسبيحا حقيقيا بلسان المقال ، ومنها : أن تقييد التسبيح بكونه بالعشى والإِشراق . وبكونه مع داود ، يدل على أنه تسبيح بلسان المقال ، إذ التسبيح بلسان الحال موجود منها فى كل وقت ، ولا يختص بكونه فى هذين الوقتين أو مع داود .

وخص - سبحانه - وقتى العشى والإِشراق بالذكر . للإِشارة إلى مزيد شرفهما ، وسمو درجة العبادة فيهما .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ} (18)

وقوله : ( إنّا سَخّرْنا الجِبالَ مَعَهُ يُسَبّحْنَ بالعَشِيّ وَالإشْرَاقِ ) : يقول تعالى ذكره : إنا سخرنا الجبال يسبّحن مع داود بالعشيّ ، وذلك من قوت العصر إلى الليل ، والإشراق ، وذلك بالغداة وقت الضحى . ذُكر أن داود كان إذا سبح سبحت معه الجبال ، كما حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( إنّا سخّرْنا الجِبالَ مَعَهُ يُسَبّحْنَ بالعَشِيّ والإشْراقِ ) : يسبحن مع داود إذا سبح بالعشيّ والإشراق .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( بالعَشيّ والإشْرَاقِ ) : قال : حين تُشرق الشمس وتضحى .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، عن مسعر بن عبد الكريم ، عن موسى بن أبي كثير ، عن ابن عباس أنه بلغه أن أمّ هانىء ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ، صلى الضحى ثمان ركعات ، فقال ابن عباس : قد ظننت أن لهذه الساعة صلاة ، يقول الله : يُسَبّحْنَ بالعَشيّ والإشْراقِ .

حدثنا ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : حدثنا صدقة ، قال : ثني سعيد بن أبي عَروبة ، عن أبي المتوكل ، عن أيوب بن صفوان ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل أن ابن عباس كان لا يصلي الضحى ، قال : فأدخلته على أم هانىء ، فقلت : أخبري هذا بما أخبرتني به ، فقالت أمّ هانىء : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في بيتي ، فأمر بماء فصبّ في قصعة ، ثم أمر بثوب فأخذ بيني وبينه ، فاغتسل ، ثم رشّ ناحية البيت فصلّى ثمان ركعات ، وذلك من الضحى قيامهنّ وركوعهنّ وسجودهنّ وجلوسهنّ سواء ، قريب بعضهنّ من بعض ، فخرج ابن عباس ، وهو يقول : لقد قرأت ما بين اللوحين ، ما عرفت صلاة الضحى إلا الاَن يُسَبّحْنَ بالعَشَيّ والإشْراق وكنت أقول : أين صلاة الإِشراق ، ثم قال : بعدهنّ صلاة الإِشراق .

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن متوكل ، عن أيوب بن صفوان ، مولى عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن الحارث ، أن أمّ هانىء ابنة أبي طالب ، حَدّثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح دخل عليها ثم ذكر نحوه .

وعن ابن عباس في قوله : ( يُسَبّحْنَ بالعَشِيّ ) مثل ذلك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ} (18)

{ إنا سخرنا الجبال معه يسبحن } قد مر تفسيره ، و { يسبحن } حال وضع موضع مسبحات لاستحضار الحال الماضية والدلالة على تجدد التسبيح حالا بعد حال . { وبالعشي والإشراق } ووقت الإشراق وهو حين تشرق الشمس أي تضيء ويصفو شعاعها وهو وقت الضحى ، وأما شروقها فطلوعها يقال شرقت الشمس ولما تشرق . وعن أم هانئ رضي الله عنها : أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الضحى وقال " هذه صلاة الإشراق " وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ} (18)

وأخبر تعالى عما وهب لداود من الكرامة في أن سخر الجبال تسبح بعه ، وظاهر الآية عموم الجبال . وقالت فرقة : بل هي الجبال التي كان فيها وعندها ، وتسبيح الجبال ها حقيقة . { والإشراق } وقت ضياء الشمس وارتفاعها ، ومنه قولهم : " أشرق ثبير كيما نغير " ، أي ادخل في الشروق ، وفي هذين الوقتين كانت صلاة بني إسرائيل . وقال ابن عباس : صلاة الضحى عندنا هي صلاة الإشراق ، وهي في هذه الآية .