التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِي شَكّٖ مِّن دِينِي فَلَآ أَعۡبُدُ ٱلَّذِينَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِنۡ أَعۡبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّىٰكُمۡۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (104)

بعد كل ذلك وجهت في ختامها نداءين إلى الناس أمرتهم فيهما بإخلاص العبادة لله - تعالى - وبالاعتماد عليه وحده ، وبتزكية نفوسهم . .

استمع إلى السورة الكريمة في ختامها وهي تقول :

{ قُلْ ياأيها الناس إِن كُنتُمْ . . . }

المعنى : { قُلْ } أيها الرسول الكريم ، لجميع من ارتاب في دينك .

{ ياأيها الناس إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي } الذي جئتكم به من عند الله - تعالى - ، وترغبون في تحويل عنه ، فاعلموا أنى برئ من شككم ومن أديانكم التي أنتم عليها .

وما دام الأمر كذلك ، فأنا " لا أعبد الذين تعبدون من دون الله " من آلهة باطلة في حال من الأحوال .

{ ولكن أَعْبُدُ الله } - تعالى - الذي خلقكم و { الذي يَتَوَفَّاكُمْ } عند انقضاء آجالكم ، ويعاقبكم على كفركم .

وقوله { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المؤمنين } تأكيد لإِخلاص عبادته - صلى الله عليه وسلم - لله وحده .

أى : وأمرت من قبل خالقي - عز وجل - بأن أكون من المؤمنين بأنه لا معبود بحق سواه .

وأوثر الخطاب باسم الجنس " الناس " مع تصديره بحرف التنبيه ، تعميما للخطاب ، وإظهارا لكمال العناية بشأن المبلغ إليهم .

وعبر عن شكهم " بإن " المفيدة ؛ لعدم اليقين ، مع أنهم قد شكوا فعلا في صحة هذا الدين بدليل عدم إيمانهم به ، تنزيلا للمحقق منزلة المشكوك فيه ، وتنزيها لساحة هذا الدين عن أن يتحقق الشك فيه من أى أحد ، وتوبيخا لهم على وضعهم الأمور في غير مواضعها .

وقدم - سبحانه - ترك عبادة الغير على عبادته - عز وجل - ، إيذانا بمخالفتهم من أول الأمر ، ولتقديم التخلية على التحلية .

وتخصيص التوفى بالذكر ، للتهديد والترهيب ، أى : ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم فيفعل بكم ما يفعل من العذاب الشديد ، ولأنه أشد الأحوال مهابة في القلوب .