ولما تقدم الفطام عن الميل لمن يطلب الآيات ، وكان طلبهم لها إنما هو على وجه الشك ، وإن لم يكن على ذلك الوجه فإنه فعل الشاك غالباً وتقدمت أجوبة لهم ، وختم ذلك بتهديدهم وبشارة المؤمنين الموجبة لثباتهم ، ناسبه{[38674]} كل المناسبة أن اتبعت{[38675]} بالأمر بجواب آخر دال على ثباته صلى الله عليه وسلم وأنه مظهر دينه رضي من رضي وسخط من سخط ، لأن البيان قد وصل إلى غايته{[38676]} في قوله تعالى : { قل يا أيها الناس } أي الذين هم في حيز الاضطراب ، لم ترقهم هممهم إلى رتبة الثبات { إن كنتم } أي كوناً هو كالجبلة منغمسين { في شك } كائن { من } جهة { ديني } تطلبون لنزوله{[38677]} - بعد تكفل العقل بالدلالة عليه - إنزال الآيات ، فأنا لست على شك من صحة ديني وبطلان دينكم فاعرضوه على عقولكم وانظروا ما فيه من الحكم مستحضرين ما لدينكم{[38678]} من الوهي الذي تقدم بيانه في قوله تعالى { قل أرأيتم{[38679]} ما أنزل الله لكم من رزق }{[38680]}[ يونس : 59 ] ونحوه { فلا أعبد } أي الآن ولا في مستقبل الزمان { الذين تعبدون } أي الآن أو بعد الآن { من دون الله } أي الملك الأعظم لعدم قدرتهم على شيء من ضري ، فلا تطمعوا في أنه يحصل لي شك بسبب حصول الشك لكم ، فإذاً{[38681]} لا أعبد غير الله أصلاً .
ولما كان سلب عبادته عن غيره ليس صريحاً في إثباتها له قال : { ولكن أعبد الله } أي الجامع لأوصاف الكمال عبادة مستمرة ؛ ثم وصفه بما يوجب الحذر منه{[38682]} ويدل على كمال قدرته { الذي يتوفاكم } بانتزاع أرواحكم التي لا شيء عندكم يعدلها . فلا تطمعون - عند إرادته لنزعها - في المحاولة لتوجيه دفاع عن ذلك . وفي هذا الوصف - مع ما فيه من الترهيب - إشارة إلى الدلالة على الإبداء{[38683]} والإعادة ، فكأنه قيل : الذي أوجدكم من عدم كما أنتم به مقرون بعدمكم بعد هذا الإيجاد وأنتم صاغرون ، فثبت قطعاً أنه قادر على إعادتكم بعد هذا الإعدام بطريق الأولي فاحذروه لتعبدوه كما أعبده فإنه قد أمرني بذلك وأنتم تعرفون غائلة الملك إذا خولف ، وقال { إن كنتم في شك } مع أنهم يصرحون{[38684]} ببطلان دينه ، لأنهم في حكم الشاك{[38685]} لاضطرابهم عند ورود الآيات ، أو لأن فيهم الشاك فغلب لأنه أقرب إلى الحير ؛ والشك : وقوف بين المعنى ونقيضه ، وضده الاعتقاد فإنه قطع بصحة المعنى دون نقيضه ، وعبر ب " من " إشارة إلى أن{[38686]} فعلهم ذلك ابتدأ من الدين ، ولو عبر ب " في " لأفهم{[38687]} أنهم دخلوا فيه لأنهم في الشك والشك في الدين ، والظرف لظرف الشيء ظرف لذلك الشيء ، وترك العطف إشارة إلى أن كل جواب منها كاف على حياله .
ولما قرر ما هو الحقيق بطريق العقل ، أتبعه بما ورد من النقل بتأييده وإيجابه بقوله : { وأمرت } أي بأمر جازم ماض ممن لا أمر لأحد معه ، وعظم المأمور به بجعله عمدة الكلام بإقامته مقام الفاعل فقال{[38688]} : { أن أكون } أي دائماً كوناً جبلياً ، ولما كان السياق لما يحتمل الشك من الأمر الباطن ، عبر بالإيمان الذي هو للقلب فقال{[38689]} : { من المؤمنين } أي الراسخين في هذا الوصف
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.