التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{فَلَمَّا بَلَغَا مَجۡمَعَ بَيۡنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِي ٱلۡبَحۡرِ سَرَبٗا} (61)

ثم تقص علينا السورة الكريمة ما حدث بعد ذلك فتقول : { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فاتخذ سَبِيلَهُ فِي البحر سَرَباً } .

والفاء فى قوله : { فلما بلغا } وفى قوله { فاتخذ سبيله . . } هى الفصيحة .

والسرب : النفق الذى يكون تحت الأرض . أو القناة التى يدخل منها الماء إلى البستان لسقى الزرع .

والمعنى : وبعد أن قال موسى لفتاه ما قال ، أخذا فى السير إلى مجمع البحرين ، فلما بلغا هذا المكان { نسيا حوتهما } أى : نسيا خبر حوتهما ونسيا تفقد أمره ، فحيى الحوت ، وسقط فى البحر ، واتخذ { سبيله } أى طريقه { فِي البحر سَرَباً } .

أى : واتخذ الحوت طريقه فى البحر ، فكان هذا الطريق مثل السرب أى النفق فى الأرض بحيث يسير الحوت فيه ، وأثره واضح .

قال الإِمام ابن كثير : قوله { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا } وذلك أنه كان قد أمر بحمل حوت مملوح - أى مشوى - معه وقيل له : متى فقدت الحوت ، فهو ثمة - أى الرجل الصالح الذى هو أعلم منك يا موسى فى هذا المكان - فسارا حتى بلغا مجمع البحرين .

وهناك عين يقال لها عين الحياة ، فناما هناك ، وأصاب الحوت من رشاش ذلك الماء فاضطرب ، وكان فى مكتل مع يوشع ، وطفر من المكتل إلى البحر ، فاستيقظ يوشع ، وسقط الحوت فى البحر ، وجعل يسير فيه ، والماء له مثل الطاق - أى مثل البناء المقوس كالقنطرة - لا يلتئم بعده ، ولهذا قال : { فاتخذ سَبِيلَهُ فِي البحر سَرَباً } أى : مثل السرب فى الأرض .

وقال الإِمام البيضاوى : قوله { نسيا حوتهما } أى : نسى موسى أن يطلبه ويتعرف حاله ، ونسى يوشع أن يذكر له ما رأى من حياته ووقوعه فى البحر .