البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَلَمَّا بَلَغَا مَجۡمَعَ بَيۡنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِي ٱلۡبَحۡرِ سَرَبٗا} (61)

السرب : المسلك في جوف الأرض .

{ فلما بلغا مجمع بينهما } ثم جملة محذوفة التقدير فسار { فلما بلغا } أي موسى وفتاه { مجمع بينهما } أي بين البحرين { نسيا حوتهما } وكان من أمر الحوت وقصته أن موسى عليه السلام حين أوحي إليه أنَّ لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك .

قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل ، فحيثما فقدت الحوت فهو ثم ، فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فنام موسى واضطرب الحوت في المكتمل فخرج منه فسقط { في البحر سرباً } وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق .

قيل : وكان الحوت مالحاً .

وقيل : مشوياً .

وقيل : طرياً .

وقيل : جمع يوشع الحوت والخبز في مكتل فنزلا ليلة على شاطئ عين تسمى عين الحياة ونام موسى ، فلما أصاب السمكة روح الماء وبرده عاشت .

وروي أنهما أكلا منها .

وقيل : توضأ يوشع من تلك العين فانتضح الماء على الحوت فعاش ووقع في الماء ، والظاهر نسبة النسيان إلى موسى وفتاه .

وقيل : كان النسيان من أحدهما وهو فتى موسى نسي أن يعلم موسى أمر الحوت إذ كان نائماً ، وقد أحس يوشع بخروجه من المكتل إلى البحر ورآه قد اتخذ السرب فأشفق أن يوقظ موسى .

وقال أؤخر إلى أن يستيقظ ثم نسي أن يعلمه حتى ارتحلا و { جاوزا } وقد يسند الشيء إلى الجماعة وإن كان الذي فعله واحد منهم .

وقيل : هو على حذف مضاف أي نسي أحدهما .

وقال الزمخشري : أي { نسيا } تفقد أمره وما يكون منه مما جعل إمارة على الظفر بالطلبة .

وقيل : نسي يوشع أن يقدمه ، ونسي موسى أن يأمر فيه بشيء انتهى .

وشبه بالسرب مسلك الحوت في الماء حين لم ينطبق الماء بعده بل بقي كالطاق ، هذا الذي ورد في الحديث .

وقال الجمهور : بقي موضع سلوكه فارغاً .

وقال قتادة : ماء جامداً وعن ابن عباس : حجراً صلداً .

وقال ابن زيد : إنما اتخذ سبيله سرباً في البر حتى وصل إلى البحر ثم عام على العادة كأنه يعني بقوله { سرباً } تصرفاً وجولاناً من قولهم : فحل سارب أي مهمل يرعى حيث شاء .

ومنه قوله تعالى { وسارب بالنهار } أي متصرف .

وقال قوم : اتخذ { سرباً } في التراب من المكتمل ، وصادف في طريقه حجراً فنقبه .

والظاهر أن السرب كان في الماء ولا يفسر إلاّ بما ورد في الحديث الصحيح أن الماء صار عليه كالطاق وهو معجزة لموسى عليه السلام أو الخضر إن قلنا أنه نبي وإلاّ تكن كرامة .