الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَلَمَّا بَلَغَا مَجۡمَعَ بَيۡنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِي ٱلۡبَحۡرِ سَرَبٗا} (61)

الضمير في قوله : " بينهما " للبحرين ، قاله مجاهد . والسرب المسلك ، قاله مجاهد . وقال قتادة : جمد الماء فصار كالسراب . وجمهور المفسرين أن الحوت بقي موضع سلوكه فارغا ، وأن موسى مشى عليه متبعا للحوت ، حتى أفضى به الطريق إلى جزيرة في البحر ، وفيها وجد الخضر . وظاهر الروايات والكتاب أنه إنما وجد الخضر في ضفة البحر وقوله : " نسيا حوتهما " وإنما كان النسيان من الفتى وحده فقيل : المعنى ، نسي أن يعلم موسى بما رأى من حال فنسب النسيان إليهما للصحبة ، كقوله تعالى : " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان{[10609]} " [ الرحمن : 22 ] وإنما يخرج من الملح ، وقوله : " يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم . . . {[10610]} " وإنما الرسل من الإنس لا من الجن وفي البخاري ، ( فقال لفتاه : لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت ، قال : ما كلفت كثيرا ، فذلك قوله عز وجل : " وإذ قال موسى لفتاه . . . " يوشع بن نون - ليست عن سعيد{[10611]} - قال فبينا هو في ظل صخرة في مكان ثَرْيَانَ{[10612]} إذ تَضَرَّبَ الحوتُ تضرب{[10613]} الحوت وموسى نائمٌ فقال فتاه : لا أوقظه ، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره ، وتَضَرَّبَ الحوت حتى دخل البحر ، فأمسك الله عنه جِرْية البحر حتى كأن أثره في حجر ، قال لي عمرو{[10614]} : هكذا كأن أثره في حجر وحَلَّقَ بين إبهاميه واللتين تليانهما ) وفي رواية( وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار مثل الطاق{[10615]} ، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ، حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه : " آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا " ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به ، فقال له فتاه : " أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره " ) وقيل : إن النسيان كان منهما لقوله تعالى : " نسيا " فنسب النسيان إليهما ، وذلك أن بدو حمل الحوت كان من موسى لأنه الذي أمر به ، فلما مضيا كان فتاه الحامل له حتى أويا إلى الصخرة نزلا .


[10609]:راجع جـ ص 161.
[10610]:راجع جـ 7 ص 85.
[10611]:أي قال ابن جريج ـ هو أحد رواة الحديث ـ ليست تسمية الفتى عن سعيد بن جبير. (قسطلاني).
[10612]:ثريان: يقال مكان ثريان وأرض ثريا إذا كان في ترابهما بلل وندى.
[10613]:تضرب: اضطرب وتحرك إذ حيي في المكتل.
[10614]:أي قال ابن جريج قال لي عمرو . . . الخ.
[10615]:الطاق: عقد البناء..