التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجۡهِهِۦ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَقِيلَ لِلظَّـٰلِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ} (24)

نفى - سبحانه - المساواة بين هؤلاء الذين يخشون ربهم ، وبين غيرهم ممن قست قلوبهم ، وانحرفت نفوسهم عن الحق ، فقال - تعالى - : { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سواء العذاب يَوْمَ القيامة وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } : والاستفهام : للنفى والإِنكار ، و " من " اسم موصول مبتدأ ، والخبر محذوف . أى : أفمن كان يوم القيامة مصيره إلى النار التى يتقيها ويحاول درأها عن نفسه بوجهه الذى هو أشرف أعضائه ، كمن يأتى يوم القيامة آمنا مطمئنا بعيدا عن النار وسعيرها ؟

وفى الآية الكريمة ما فيها من تهويل عذاب يوم القيامة ، إذ جرت عادة الإِنسان أن يتقى الآلام بيديه وجوارحه ، فإذا ما اتقاها بوجهه الذى هو أشرف أعضائه ، كان ذلك دليلا على أن ما نزل به فى نهاية الفظاعة والشدة .

وفى قوله - تعالى - : { سواء العذاب } مبالغة أخرى ، إذ نفس العذاب سوء ، فإذا ما وصف بعد ذلك بالسوء ، كان أشد فى الفظاعة والإِهانة والألم .

وجملة : { وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ . . . } عطف على من " يتقى . . . " أى : هذا هو مصير الظالمين ، إنهم يتقون النار بوجوههم التى هى أشرف أعضائهم ، وهذا الاتقاء لن يفيدهم شيئا ، بل ستغشاهم النار بلهبها ، ويقال لهم : ذوقوا العذاب الأليم بسبب ما كنتم تكسبون فى الدنيا من أقوال باطلة ، وأفعال قبيحة .