اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجۡهِهِۦ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَقِيلَ لِلظَّـٰلِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ} (24)

قوله : { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سوء العذاب } الآية لما حكم على القاسية قلوبهم بحكم في الدنيا وهو الضلال التام حكم عليهم في الآخرة بحكم آخر وهو العذاب الشديد فقال : { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سوء العذاب يَوْمَ القيامة } وتقريره أن أشرف الأعضاء الظاهرة هو الوجه لأنه محل الصباحة وصومعة الحواس ، والسعادة والشقاوة لا تظهر إلا فيه ، قال تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أولئك هُمُ الكفرة الفجرة } [ عبس : 38-42 ] . ويقال لمقدم القوم : يَا وَجْهَ الْعَرَبِ ، ويقال للطريق الدال على حال الشيء : إن وجه كذا هو كذا . فثَبَتَ بما ذكرنا أن أشرف الأعضاء الظاهرة هو الوجه وإذا وقع الإنسان في نوع من أنواع العذاب فإنه يجعل يده وقاية لوجهه ، وإذا عرف هذا فنقول : إذا كان القادر على الاتّقاء يجعل كل ما سوى الوجه فداءً للوجه لا جَرَمَ حسن جعل الاتّقاء بالوجه كناية عن العجز عن الاتقاء ونظيره قول النابغة :

وَلاَ عَيْبَ فِيهمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ*** بِهِنّ فلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكتَائِبِ

أي لا عيبَ فيهم إلا هذا ، وهو ليس بعيب فلا عيب فيهم إذَنْ بوجْهٍ من الوجوه فكذا ههنا لا يقدرون على الاتقاء بوجه من الوجوه إلا بالوجه ، وهذا ليس باتقاء ، فلا قدرة لهم على الاتقاء البتّة ، وقيل : إنه يُلْقَى في النار مغلولة يده إلى عنقه ، فلا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه ، وتقدم الكلام على الإعراب . و «سوء العذاب » أشده ، وقال مجاهد : يجر على وجهه في النار ، وقال عطاء : يرمى به في النار منكوساً ، فأول شيء يمس النار منه وجهه .

قوله : { وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ } أي تقول الخزنة للظالمين : { ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } أي وباله .