تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجۡهِهِۦ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَقِيلَ لِلظَّـٰلِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ} (24)

قوله تعالى : { أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } كأنه لم يذكر مقابل هذا في هذا الموضع . فجائز أن يكون مقابله ما تقدم ، وهو قوله : { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } أفمن جعل له الغرف أعلى الغرف تجري من تحتها الأنهار كمن { يتقي بوجهه سوء العذاب } ليس هذا كذاك ، ولا أحد يتقي بوجهه سوء العذاب . لكن يخرج ذلك على وجوه :

أحدها : كناية عن الشفعاء وأهل النصر كأنه يقول : لا يكون له من يشفع ، أو يملك دفع العذاب عنه .

والثاني : أن تكون أيديهم مغلولة إلى أعناقهم ، فلا بد له يتّقي بها سوء العذاب عن وجهه ، لأن في الشاهد من أصاب شيئا من العذاب يتقي ذلك العذاب عن وجهه بيده ، فيخبر أن لا بد له في الآخرة ، يتقي العذاب بها عن وجهه ، بل يصيب العذاب وجهه ، فكأنه يتقي به .

والثالث : أن يكون ذكر الوجه كناية عن نفسه ، وهو ما ذكرنا : ألا يكون له من يملك دفع العذاب عنه .

والرابع : أن يكون ذكر الوجه كناية عن قلبه لئلا يصل وجع ذلك العذاب إلى قلبه ، ولا يملك دفعه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ } يحتمل قوله : { ذوقوا ما كنتم تكسبون } أي ذوقوا جزاء ما كنتم تكسبون . ويحتمل ذوقوا ما اخترتم من الكسب ، وهذا بما اخترتم ، لأنه قد بيّن لهم الكسبين جميعا ، وما يكون لكل كسب في العاقبة ، فاختاروا هم الكسب الذي كان عاقبته الذي أصابهم ، فكأنهم اختاروا ذلك الذي حل بهم باختيارهم ذلك الكسب ، والله أعلم .