البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجۡهِهِۦ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَقِيلَ لِلظَّـٰلِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ} (24)

{ أفمن يتقي } : أي يستقبل ، كما قال الشاعر :

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه *** فتناولته واتقتنا باليد

أي : استقبلتنا بيدها لتقي بيدها وجهها أن يرى .

والظاهر حمل بوجهه على حقيقته .

لما كان يلقي في النار مغلولة يداه إلى رجليه مع عنقه ، لم يكن له ما يتقي به النار إلا وجهه .

قال مجاهد : يجر على وجهه في النار ، ويجوز أن يعبر بالوجه عن الجملة .

وقيل : المعنى وصف كثرة ما ينالهم من العذاب ، يتقيه أولاً بجوارحه ، فيتزيد حتى يتقيه بوجهه الذي هو أشرف جوارحه ، وفيه جواب ، وهو غاية العذاب .

قال ابن عطية : وهذا المعنى عندي أبين بلاغة .

في هذا المضمار يجري قول الشاعر :

يلقي السيوف بوجهه وبنحره *** ويقيم هامته مقام المغفر

لأنه إنما أراد عظم جرأته عليها ، فهو يلقاها بكل مجن ، وبكل شيء عنه ، حتى بوجهه وبنحره . انتهى .

و { سوء العذاب } : أشده ، وخبر من محذوف قدره الزمخشري : كمن أمن العذاب ، وابن عطية : كالمنعمين في الجنة .

{ وقيل للظالمين } : أي قال ذلك خزنة النار ، { ذوقوا ما كنتم } : أي وبال ما كنتم { تكسبون } من الأعمال السيئة .