فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجۡهِهِۦ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَقِيلَ لِلظَّـٰلِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ} (24)

ثم لما حكم على القاسية قلوبهم بحكم في الدنيا وهو الضلال ، حكم عليهم في الآخرة بحكم آخر وهو العذاب ، فقال : { أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوء العذاب يَوْمَ القيامة } والاستفهام للإنكار ، وقد تقدّم الكلام فيه ، وفي هذه الفاء الداخلة على من في قوله : { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب } [ الزمر : 19 ] ، ومن مبتدأ ، وخبرها محذوف لدلالة المقام عليه ، والمعنى : أفمن شأنه أن يقي نفسه بوجهه الذي هو أشرف أعضائه سوء العذاب يوم القيامة لكون يده قد صارت مغلولة إلى عنقه كمن هو آمن لا يعتريه شيء من ذلك ، ولا يحتاج إلى الاتقاء . قال الزجاج : المعنى أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن يدخل الجنة . قال عطاء وابن زيد : يرمى به مكتوباً في النار ، فأوّل شيء تمس منه وجهه . وقال مجاهد : يجرّ على وجهه في النار .

قال الأخفش : المعنى أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب أفضل أم من سعد ؟ مثل قوله : { أَفَمَن يلقى فِي النار خَيْرٌ أَم مَّن يأتي آمِناً يَوْمَ القيامة } [ فصلت : 40 ] ، ثم أخبر سبحانه عما تقوله الخزنة للكفار ، فقال : { وَقِيلَ لِلظَّلِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } ، وهو معطوف على يتقي أي ويقال لهم ، وجاء بصيغة الماضي للدّلالة على التحقيق . قال عطاء : أي جزاء ما كنتم تعملون ، ومثل هذه الآية قوله : { هذا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } [ التوبة : 35 ] ، وقد تقدّم الكلام على معنى الذوق في غير موضع .

/خ26