فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجۡهِهِۦ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَقِيلَ لِلظَّـٰلِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ} (24)

{ أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ } الاستفهام للإنكار وقد تقدم الكلام فيه ، وهذه الفاء الداخلة على من في قوله : أفمن حق عليه عاطفه ومن مبتدأ والخبر محذوف لدلالة المقام عليه ، والمعنى أفمن شأنه أن يقي نفسه بوجهه الذي هو أشرف أعضائه { سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } لكون يده قد صارت مغلولة إلى عنقه كمن هو آمن لا يعتريه شيء من ذلك ، ولا يحتاج إلى الاتقاء ؟ قال الزجاج المعنى أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن يدخل الجنة ؟ .

قال عطاء وابن زيد يرمي به مكتوفا في النار ، فأول شيء تمس النار منه وجهه . وقال ابن عباس : ينطلق به إلى النار مكتوفا ثم يرمي به فيها ، فأول ما يمس وجهه النار . وقال مجاهد يجر على وجهه في النار . قال الأخفش المعنى أفمن يتقي وجهه سوء العذاب أفضل ؟ أم من سعد ؟ مثل قوله تعالى { أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ثم أخبر سبحانه عما يقوله الخزنة للكفار فقال :

{ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ } وهو معطوف على يتقي أي ويقال لهم ، وجاء بصيغة الماضي للدلالة على التحقيق ، ووضع الظاهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم ، والإشعار بعلة الأمر في قوله . ذوقوا قال عطاء أي جزاء ما كنتم تعملون ، ومثل هذه الآية قوله { هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } وقد تقدم الكلام على معنى الذوق في غير موضع