الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجۡهِهِۦ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَقِيلَ لِلظَّـٰلِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ} (24)

ثم قال تعالى : { أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة } ( من ) بمعنى ( الذي ) مرفوعة بالابتداء والخبر محذوف{[58878]} .

والتقدير عند الأخفش : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب أفضل ، أم من يتقيه{[58879]} .

وقيل : التقدير{[58880]} : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب خير أم من ينعم في الجنان .

وقيل : التقدير : كمن يدخل الجنة{[58881]} ، وقيل : التقدير : كمن هداه الله فأدخله الجنة ، وقيل : التقدير : كمن لا يصيبه العذاب .

وهذه المعاني كلها قريب بعضها من بعض{[58882]} وإن اختلفت الألفاظ .

( وقيل معنى ){[58883]} الآية : أفمن يرمى به مكبوبا على وجهه في جهنم{[58884]} .

قال مجاهد : ( يجر على وجهه في النار ){[58885]} .

وقيل : المعنى : إنه ينطلق به إلى النار مكتوفا ثم يرمى{[58886]} به فيها . فأول ما تمس النار وجهه ، روى ذلك عن ابن عباس{[58887]} .

وقيل : يرمى{[58888]} بالكافر في النار مغلولا فلا يقدر أن يتقي إلا بوجهه{[58889]} .

وقيل : الإتقاء{[58890]} في هذا بمعنى الاستقبال كرها .

وخص الوجه لأنه أعز ما في الإنسان على الإنسان وفيه الحواس الخمس .

تقول العرب : اتقيت فلانا بحقه ، أي : استقبلته به .

وقد كان الإنسان في الدنيا يتقي{[58891]} عن وجهه السوء بجميع جوراحه لشرفه وعزته عليه . فأعلمنا الله عز وجل أن الوجه هو أعز الجوارح به يتقي الكافر سوء العذاب يوم القيامة ، فما ظنك بجميع الجوارح التي هي دون الوجه ، أعاذنا الله من ذلك ونجانا منه .

ثم قال تعالى : { وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون } أي : وقيل للظالمين أنفسهم ذوقوا عقاب{[58892]} كسبكم في الدنيا معاصي الله سبحانه . وهذا فعل ماض عُطِفَ ، وليس قبله ما يُعْطَفُ عليه ، لكنه محمول على المعنى والحكاية . والتقدير : ويقال ذلك يوم القيامة .


[58878]:انظر: إعراب النحاس 4/9.
[58879]:كذا في معاني الأخفش. وفي (ع) و(ح): (يفقده). وانظر: معاني الأخفش 2/671، وإعراب النحاس 4/9.
[58880]:في طرة (ع).
[58881]:قائله هو الزجاج في معانيه 4/352.
[58882]:(ح)...بعض في المعنى).
[58883]:و(معنى).
[58884]:انظر: جامع البيان 23/136.
[58885]:انظر: تفسير مجاهد 2/557، وجامع البيان 23/136، وجامع القرطبي 15/251.
[58886]:(ح): يرم.
[58887]:جامع البيان 23/136.
[58888]:(ح): يرم.
[58889]:قال به مقاتل في جامع القرطبي 15/251، وانظر: معاني الزجاج 4/352.
[58890]:(ح) :الاتقى.
[58891]:ساقط من (ح).
[58892]:(ح): عذاب.